طلال عوكل - النجاح الإخباري - اليوم الخميس، الحادي والثلاثون من كانون الأول، ينتهي والعالم كله يئنّ تحت وطأة فيروس، لا يُرى بالعين المجرّدة، ولا تنفع في ردعه ترسانات الحرب النووية والتقليدية.

«كورونا» يشن حرباً على البشرية، ويجدد ظهوره حتى يكون من الصعب ملاحقته بلقاحات لم تثبت جدواها بعد، وعلماء ومختبرات سيظلون في حالة طوارئ بحثاً عن سلاح فعال في مواجهة هذا البلاء.

اليوم، يصرخ كل العالم، بالدعاء، والابتهال إلى الله، لتخلص البشرية من هذا الوحش الذي لا يعرف الرحمة، وبأن يكون العام القادم أفضل. لكنْ والفلسطينيون جزء فاعل من البشرية، فإنهم إذ يقتسمون الوجع مع الكل، فإن لهم أوجاعهم الخاصة، ودعاءهم الخاص، إذ إن هذا العالم، متميز في مدى السوء والألم الذي حمله لهم، والفيروسات المرئية التي تضرب صحتهم البدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية.

الحصار مستمر بشراسة على قطاع غزة، ويزيح المزيد من البشر إلى دائرة الفقر والفقر المدقع، في ظل إمكانيات ضعيفة مالية وطبية، تفرض عليهم حصاراً داخلياً فوق الحصار الذي يضربه الاحتلال.

يفكر الإنسان في مثل هذه الظروف التي يطول أمدها، أن هذه الجائحة وهي مستمرة إلى عام قادم، من شأنها أن تخلف مرضاً اجتماعياً قد تصلح تسميته بالتوحّد الاجتماعي، والرغبة في الانزواء، على حساب العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة.

ولأن كانت ظروف الفلسطينيين في الضفة الغربية، أفضل حالاً بالمعنى النسبي، فإن ما تتركه من بصمات على حياتهم، هذه الجائحة تكفي لأن يتوحّد الفلسطينيون في نوع آلامهم. القدس، تقدم نموذجاً متفرداً في نوع الآلام، ويظهر ذلك في عدد المصابين، والمتوفين من الجائحة بسبب السياسة الاسرائيلية، وضيق ذات اليد الفلسطينية والتي تستهدف وجود الفلسطينيين في المدينة.

هو عام الانهيار العربي، إزاء الصراع الفلسطيني والعربي الصهيوني، فلم تعد ثمة مؤسسة عربية جامعة على الموقف التقليدي إزاء القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين. هل يمكن الحديث عن الجامعة العربية، أو القمة العربية حين ينقسم العرب حول أهم وأخطر قضية تتصل بوجود الأمة العربية؟

بعض الدول العربية تعاني من صراعات دموية داخلية، وصراعات طائفية وقبلية وجهوية، وتدخلات خارجية مباشرة وغير مباشرة، كل منها يبحث عن مصالحه، ولا يرى مكاناً لمصالح أهل الدار.

البعض الآخر، من الدول التي لم تصلها رياح التغيير الاجتماعي، والصراعات يخضع بطريقة مهينة لتدخلات أميركية مكشوفة، ومعروفة أهدافها، فيطأطئ الرأس أمام تحالف ترامب نتنياهو، يبيعهما الشرف والكرامة والانتماء.

مصالح أو وعود بمصالح صغيرة، قد يحظى بها المطبّعون مقابل خسائر ضخمة، في المال والكرامة، والاستقلال لصالح تحالف الشر بين ترامب ونتنياهو. كان يمكن أن يبتلع الفلسطينيون ومن يشايعهم رفض التطبيع مع إسرائيل، لو أن ما قيل عن انه اتفاقيات سلام اقتصرت على علاقات سياسية ودبلوماسية، كما يحصل في مصر والأردن ولكن ما جرى أسوأ كثيراً من الانهيار، وأقرب كثيراً إلى التحالف.

لا تكفي الكلمات التي تتحدث عن التمسك بالحقوق الفلسطينية ولا تصمد هذه الادعاءات أمام وقائع الانهيار الذي وصل إلى جدار الثقافة والتاريخ. وبالمناسبة لم تعد دوائر التطبيع تهتم بالحديث عن التزامها بالقضية والحقوق الفلسطينية فالخطاب دخل مرحلة «إن لم تستحِ فافعل ما شئت». والفلسطينيون هذا العام أصيبوا بخيبة أمل كبيرة إزاء إمكانية الخلاص من الانقسام الخطير والكبير الذي يضرب حياتهم وآمالهم وقدراتهم في كل لحظة وفي كل زاوية.

على نحوٍ مفاجئ ودون مقدمات، تابع الفلسطينيون اجتماع الأمناء العامين للفصائل، ومن بعد الحوارات التي جرت في أكثر من مكان، وبدا وكأن الأمور تتجه نحو إغلاق صفحة الانقسام، لكن سرعان ما أن عاد كل شيء إلى المربع الأول، و»عادت حليمة إلى عادتها القديمة»، وكل في فلكه يسبح.

انتخاب الديمقراطي بايدن، دخل على الخط، وأحيا آمالاً كادت تضيع في زمن ترامب، الذي خدم إسرائيل والمخططات الصهيونية العدوانية والتوسعية كما لم يفعل أي رئيس أو زعيم آخر.

من حيث المبدأ، فإن فوز بايدن بغض النظر عن إمكانية إحياء مفاوضات مجدية تقرب الفلسطينيين من تحقيق أهدافهم، فإن ذلك على الأقل، من شأنه أن يضع نقطة على آخر سطر الصفقة المعروفة بـ»صفقة القرن»، وربما يؤدي أيضاً إلى استعادة بعض الدعم المالي للسلطة و»الأونروا».

وفي هذا العام، ثمة ما يدعو للتفاؤل، إذ إن الأمم المتحدة أصدرت عديد القرارات لصالح فلسطين وحقوق شعبها، وبدا وكأن إسرائيل والولايات المتحدة، معزولتان عن العالم، حيث تجاوزت التصويتات على بعض القرارات الـ150 صوتاً.

قد يستهتر البعض بمثل هذه القرارات، لكون الأمم المتحدة عاجزة عن تنفيذ قراراتها، ولكن على هذا البعض أن يفكر في أبعاد تلك القرارات التي تعني فيما تعنيه توسع دائرة التضامن للقضية، حتى شملت المجتمع الدولي بأسره، فضلاً عن أنها تؤكد الحماية القانونية لحقوق الشعب الفلسطيني.

المشهد بشكل عام ليس مأساوياً إلى حد عدم رؤية شعاعات الأمل، وأولها أن الشعب الفلسطيني صامد على أرضه، محملا بأمل عميق في تحقيق الحرية، وان ما يظهر من أمراض اليأس والإحباط، لا يمس هذا الأمل.

ما زلت أقول وأُردد ظاهرة يتفرد فيها الفلسطيني، وهو أن الإنسان، قد يستقر في أي بلد آخر، وقد يحمل جنسية أخرى أو أكثر، لكنه يتمسك بفلسطينيته ويفتخر بها، بل ويجاهر بذلك.

لا يحق للفلسطيني أن يصرخ يا وحدنا، إزاء عام مضى صعب، بالنظر لما يعانيه ويعيشه الطرف النقيض، وهو الاحتلال، من أزمات وتفكك وصراعات واحتجاجات، وعنصرية متفاقمة. أتحسبون أن ثمة ما يدعو نتنياهو الفاسد للفخر، وهو ينتقل من احتفال تطبيعي إلى آخر، وهو يقف تحت إبط كوشنير أو بومبيو؟ المشهد محزن بالنسبة للفلسطينيين ولكنه أيضاً بالنسبة لبعض الإسرائيليين، الذين تعاملوا مع الأمر بسخرية شديدة.

لن نترحّم على العام الذي يقفل ساعاته الأخيرة، ولكن الأمل والتفاؤل ليس رهناً بعدد ونوع الأحداث الصعبة، والسنوات، وإنما بمستقبل واعد إزاء تحديات من هذا النوع.

 

نقلاً عن صحيفة الأيام