حنان باكير - النجاح الإخباري - صورتان متناقضتان، ترسمان المشهد في وطني.. الصورة الأولى، الوطن محتلا بسياسات القتل والعنف العنصرية التي تحاول تعميم ثقافة الموت والعدم.. وفي النقيض عنه، نرى كيف تحلق طيور الحرية، التي يسمونها سفراء الحرية، أفلتوا نطفا من خلف زنازين الاحتلال، يجترحون الحياة، ويأخذونها عنوة.. ويدّونون أسماءهم في سجل الوجود الإنساني.. شعب يصرّ على الحياة، وعلى قهر الفناء. آباء انتزعوا من دفء العائلة، وأبعدوا عن زوجاتهم. غُيّبوا في عتمة الزنازين، في أحكام مؤبدة لعدة مرات.. تاركين زوجات وأطفالا. لم يستطع السجّان ولا الزنازين والأسلاك الشائكة، قتل روح الحياة لديهم. فتمّ تهريب، السائل المنوي، في ظروف قاسية ومعقدة. وربما تفتقر الى مواد التعقيم، ودرجة برودة معينة. أفلت السائل المنوي، من خلف القضبان الحديدية والأسلاك الشائكة ومن عيون السجانين وبنادقهم. ونجت النطف من اغتيال محتم. عبر تسللها الحواجز، فبلغت المستشفى على إعياء. أيام قليلة من الاستراحة، ونعمت بعدها بدفء أرحام الأمهات.. ودونت أسماؤهم في السجلات الفلسطينية.. بعضهم كبر ودخل المدرسة وأتقن النشيد.. آخر طفل أعطاه والده اسم " دانيال "، تيمّنا باسم قرية فلسطينية. و"دانيال"، هو أيضا اسم أحد الملوك الكنعانيين.
في مقابل هذا الإصرار على الحياة، نشهد جرائم، تستهدف في معظمها النساء، تحت مسمى جرائم الشرف. تُقتل المرأة أو تُدفع الى الانتحار تخلصا من ابتزاز أو عبودية. ربما من السذاجة، أن أتساءل عن عقدة الدم عند هؤلاء.. تقديم الأضاحي، ثم غسل الشرف الملوّث بالعار "بالدم"! مفهوم الشرف توسع وتمدد فقط على جسد المرأة وفكرها، ليشمل حرية التعبير عندها.. وحرية اختيار شريك عمرها، أو رفض انسان اختاره الأهل. 
تطالعنا الأخبار، وبشكل شبه يومي، عن أسماء قرابين فتية، يهدر دمها، لغسل عار مفترض.. لأن العار لا يشمل الرجل باستعباده، والمتاجرة بلقمة عيشه، ولا بإذلال المحتل له.. ولا بكرامته كمواطن.. أناس اختصروا الشرف والكرامة بجسد المرأة، من شعرها الى أخمص قدميها.
تعمل المرأة خارج بيتها، وتزيد مدخول العائلة، وتتصدى للاحتلال وتصده عن عائلتها.. فهذه أمور لا تسبب العار للمرأة ولا تعدّ انتهاكا لشرف الرجل وكرامته!
وما تعجز عن تخيّله، أفلام الرعب وعلماء النفس.. كيف تهون الأخت والأم والزوجة والابنة، على سكين، من يفترض أنهم حماتها وملجأها؟ وكيف "يُلام الذئب على عدوانه، إن يك الراعي عدو الغنم"، على حدّ تعبير الشاعر عمر ابو ريشة! ونلاحظ ارتفاع وتيرة هذه الجرائم، في الآونة التي ازداد فيه التدين الكاذب، والمتاجرة بالدين، وتحويره وحرفه عن مساره الطبيعي! إنه الدين الجديد الذي رسمته دوائر مشبوهة، لأغراض سياسية.
نماذج للمرأة الفلسطينية، منذ القرن التاسع عشر، أوردها لمن يعتبرون المرأة عيبا وعارا.. سائدة حسام الدين، الفتاة المسلمة، التي تخرجت من جامعات انجلترا، وعادت الى فلسطين العام 1944، لتنشئ المدارس في القرى الفلسطينية النائية. ثم عملت في الإذاعة الفلسطينية في القدس العام 1946.
المناضلة نمرة طنوس السعيد. ضابطة ارتباط بين القوات العربية، والكونت برنادوت، كانت تظهر بلباسها العسكري، تشرح وجهة النظر الفلسطينية، ثم عملت مع مراقبي الأمم المتحدة.. وكانت ضمن المناضلات اللواتي انضوين تحت قيادة الشهيد عبد القادر الحسيني.. ونالت وسام "العمليات الحربية".. الذي يمنح للمشاركين في عمليات حربية.
ماري صروف شحادة، عملت في مجال الصحافة منذ العام 1920. ساذج نصار صحفية منذ العام 1923، كتبت في مجلة الكرمل التي صدرت في حيفا العام 1909. من يذكر عنبرة سلام الخالدي، التي نقلت الى العربية الملحمتين الخالدتين الالياذة والأوديسة في الأعوام بين 1944.. 1946؟ الصحفية والكاتبة هدى صلاح، وهنرييت سكسك فراج.. والقائمة تطول...
تلك هي المرأة الفلسطينية.. لم يفرض عليها حجاب ولا نقاب، لا على رأسها ولا على اسمها، الذي يقترن "بزوجة فلان"، وتصبح ملحقا له، وقبل أن يفرض عليها الفكر الداعشي الإخواني..
نقدّر حجم وصعوبة ما تواجهه السلطة الوطنية، من ضغوط ومحاربة، ومن تكالب العالم على شعبنا.. لكن صدور قرار يحمي المرأة الفلسطينية، أمر ضروري.. واعتبار جريمة الشرف، جريمة كاملة مع سبق الترصد والإصرار.. لأن خيارنا هو الحياة والإنسان.. وتحية حب.. لكل الأطفال المنفلتين من الزنازين المعتمة.

عن الحياة الجديدة