حنان باكير - النجاح الإخباري - لم أقرأ الرواية، التي استعرت إيحاء عنوانها. "جريمة في رام الله". تابعت فقط الزوبعة التي أثارتها، وبعض ما كتب عنها. وهذا لا يعطيني الحق في الفذلكة عنها. وهي ليست موضوعي هنا، لكنها أثارت بي ما كنت أعتقده منذ عقود. ما زال عقلنا العربي مشوشا في فهم ما نستورده من مفاهيم ومصطلحات غربية، الى الحد الذي يتم فيه الخلط بين الديمقراطية والفوضى، أو حرية الرأي والتعبير، بالانفلات وتجاوز المعقول. ولكوني علمانية، قضت سنين طويلة من عمرها في الغرب، وتمتعت بحرية الرأي وأفادت من هامش الحرية، في خدمة قضيتها الوطنية، فأنا لا أدافع عن تكميم الأفواه، وعن عدم اختراق جُدر التابوهات الثلاثة.. لكني أيضا لا أقف بجانب الانفلات والإتجار بالحريات تحت مسميات عديدة، فنحن في زمن أصبحت فيه، الأقلام برسم البيع والإيجار.. التعميم مبدأ خاطئ، لهذا أقول إن بعض الكتاب، يستعملون التابوهات، سيما تابوه الجنس، للشهرة وحصد الجوائز، وترجمة أعمالهم الأدبية.

 وكأن الترجمة هي شهادة اعتراف بإبداعهم وعالميتهم. في الغرب، أصبحت المؤسسات صاحبة الشأن، أكثر وعيا بتلك الأساليب، وعلى جميع الصعد. فالإباحية لم تعد تغري المؤسسات الغربية، بترجمة الكتب. أعرف مهندسا، برتبة معرفة وليست رتبة صداقة. قال لي ذات مرة: لم لا تستغلين وجودك في الغرب، وتكتبين رواية إباحية، تدر عليك المال الوفير؟ وقال إنه بصدد كتابة رواية "جنسية"، مع إبراز الظلم اللاحق بالمرأة العربية، في حياتها الخاصة! كان هذا مشروعه التجاري الجديد. وقبل سنوات، تلقيتُ عروضا من شخصيات عربية. عروض لتأسيس جمعيات لحماية المرأة، أو لحقوق الانسان، أو لحماية الأطفال.. أي الموضوعات التي تهم الثقافة الغربية، وتستعملها فزاعة ضدنا.. 

وكان المطلوب مني فقط إيجاد مؤسسات داعمة في النرويج.. وأن "حصتي من المشروع محفوظة"!! استغلال الموضوع الجنسي، صار موضة، ودخل على الخط وبقوة، موضوع المثليين ايضا، ومعالجة هذا الموضوع أدبيا، من خلال الأعمال الأدبية، واجتماعيا من حيث استخدامه لمآرب شخصية. ربما أكون مغالية في اعتقادي، لكن النجاح الذي حصدته رواية، "بناية يعقوبيان" للأسواني، بتطرقه لموضوع المثلية، فتح شهية العديد من الكتاب. كما نبهت أصحاب طلاب اللجوء، الى سبب وجيه للحصول على الإقامة.. فيدّعون المثلية، وأنهم مطاردون في بلادهم ومهددون بالقتل. 

أحد هؤلاء المدّعين، لم يسلم لاحقا من التحرش الجنسي من بعض المثليين، فوقع في الفخ الذي نصبه! بعض النسوة المتزوجات، يقدمن اللجوء على أنهن فتيات فقدن عذريتهن، والعائلة تريد إجبارهن على الزواج، ويخشين الذبح تحت مسمى "جريمة شرف"! وقد تكون المرأة المتزوجة حاملا، وتدّعي الحمل خارج نطاق الزواج، وأنها فرّت قبل أن يكشف أمرها، فسكين "جريمة الشرف" بانتظارها.. تحصل على الإقامة، وتلد طفلا، ثم تقوم "بعقد قرانها" على زوجها، وإحضاره الى البلد، ويعطي اسمه لطفل زوجته، الذي هو "أبوه" الحقيقي! ألاعيب نجحت الى حد ما، لكن الدوائر أصبحت أكثر وعيا ومراقبة وتشددا! ....ولكن ماذا أيضا، عن كتب التراث، المتخمة بالآحاديث الجنسية الإباحية، المقززة للنفوس؟ ألا نقدس بعض تلك الكتب ونعتبر المسّ بها من عظائم الأمور. إباحية لا تتوفر في الكتب الحديثة، فلم لا تغربل تلك الكتب من كل ما يخدش الحياء؟! وماذا عن الفتاوى الدينية "المخزية" والمنافية حتى لأخلاقيات الغرب؟! لم نجد هيئة دينية رسمية واحدة، تعلن براءتها من اصحاب تلك الفتاوى، أو استعمال سلطتها الدينية، لمنع هذا التسيّب في إصدار الفتاوى، التي أصبحت دكاكين لبيع صكوك الغفران، وتشريع الدعارة في بعض الأحيان، وتفريغ الدين من جوهره الروحي والانساني! جرائم عديدة ترتكب كل يوم في عقلنا العربي، وتقدم تلك الصورة السلبية عن ثقافتنا، وصرنا مثل الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة، فلم يفلح ونسي مشيته! كسر التابوهات المقدسة، ليس خطأ.. إن