زهير الدبعي - النجاح الإخباري - قلب الحقائق وطمس الذاكرة وغش الناس وخداعهم والتلاعب بمعايير التديّن، جعل ايران دولة معادية وجعل إسرائيل الشريك والصديق والمنقذ من الخطر الشيعي. هذه الشرور يجب أن تسقط ويجب أن يتصدى لها الفلسطينيون وكل العرب وكل المسلمين وكل الذين يعادون العنصرية والاستعمار والظلم وينحازون إلى حق كل إنسان بالكرامة والحرية والعدل والسلام.

الناس يرفضون الاحتلال واستهدافه للملامح والهوية العربية في القدس والمسجد الأقصى المبارك. الناس لا يحبون الطغاة والفاسدين والغزاة والبغاة والغلاة، ولكن لم يعهد الناس أن يعادوا دولة من دول منطقتنا، ربما عادوا نظاما وحكومة وسياسات، أما أن تصبح دولة عدوة لدرجة أن تذكر في بيان لجامعة الدول العربية ولا تذكر في ذات البيان فلسطين ولا القدس ولا يدان الاستيطان وتهجير الفلسطينيين والانتهاكات اليومية بحقهم، فهذا ليس فقط انحراف عن جادة الصواب والمنطق وإنما تكريس لعهد جديد تصبح فيه ايران دولة معادية وتصبح فيه إسرائيل دولة صديقة وربما شقيقة وعضواً في جامعة الدول العربية.

لست من الذين يهونون من الاختلافات بين المسلمين ولا من الذين يهولون من هذه الاختلافات. وذلك لأن المذاهب في الإسلام كما المذاهب في اليهودية أو المسيحية والهندوسية والبوذية ليست حدثا جديدا.

ظهرت هذه المذاهب لأسباب سياسية، واستخدمها السياسيون من كل مذهب لخداع الناس والتغرير بهم. وذلك لأن المقياس الصحيح الوحيد للتديّن هو مقدار ما يحقق من إصلاح عميق وشمولي في حياة الأفراد والمجتمعات البشرية كلها، إصلاح تلمس آثاره في شيوع الأخلاق والزهد والتواضع وفي مضاعفة الإنتاج والإتقان إلى درجة يتخلص الناس من عوامل الضعف الداخلية، وبالتالي من التبعية ووضع حد جدي وقطعي ونهائي لاستغوال الاستعمار بكافة أشكاله، ووضع حد للتلاعب بسياساتنا واقتصادنا وإعلامنا.

يتم التلاعب بالشعوب بقضية «عرب وفرس» و«سنة وشيعة»، ويتجاهلون قرونا من العيش المشترك والشراكة في بناء حضارة قامت على أسس الإيمان والتنوع والاختلاف جعلت من بغداد مركز العالم وقبلة العلماء وطلبة العلم وأكبر مركز لإنتاج الكتب والمكتبات في العالم.

ولماذا يتجاهل قادة الرأي العام الذين يبثون العنصرية والمذهبية حقيقة أن الإمام أبو حنيفة هو مواطن فارسي، وأن الإمام جعفر الصادق وهو صاحب المذهب المعتمد رسميا في ايران هو الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.

وليس سراً أن كثيراً من الفرس أصولهم عربية وبخاصة المراجع الدينية الذين يعتمرون عمائم سوداء لأنهم ينتسبون لسبطي الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام الحسن والإمام الحسين. ولكل من العرب والفرس في وطن العرب وفي ايران أقارب وأرحام، وما يقال عن العرب والفرس يقال أيضا عن العرب والترك، فإن كثيراً من الاتراك أصولهم عربية والعكس صحيح، ولا يمكنني أن اتجاهل أن جد والد أحفادي هو تركي ملأ حب القدس شغاف قلبه فاختار حارة السعدية داخل البلدة القديمة في القدس موطنا.

والله سبحانه وتعالى لم يخلق عرقا وجعله مفضلا على غيره، والعرق الخالص والنقي ليس إلا مجرد خرافات لا يصدقها ويروجها إلا العنصريون المتعصبون.

وكما ذكرنا علاقات القرابة والأرحام بين العرب والترك والعرب والفرس نذكر أيضا بالعلاقات والمنابت بين العرب والكرد، ولدينا في مدينة خليل الرحمن أكثر من عشرين عائلة كردية الجذور، وهذه الأصول لا تعطي حقا ولا تحرم أحدا من حق لكنها حقائق يجب ان تذكرنا بالمعاني العظيمة والحاسمة لقوله تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (الحجرات:13)

هذه دعوة للوعي الذي يبّدد الظلام ويميز بين الحق والباطل وبين المصلحة والمفسدة وليس دعوة إلى خلط الأوراق، فليبق التركي تركيا والفارسي فارسيا والعربي عربيا والسني سنيا والشعي شيعيا والمسيحي مسيحيا والسامري سامريا والوثني وثنيا. لكن مصلحة كل الأطفال والشباب والناس من كل الشرائح والأطياف والاديان والأعراق أن نتوقف كليا عن دعوات الحرب والكراهية لنجعل محصلة قوانا هي حاصل جمع وتناغم وتعاون هذه القوى، وليس حاصل طرح هذه القوى وصراعها.

علينا أن ننحاز إلى مصلحة كل الأطفال بأي لغة تحدثوا وبأي مذهب تمسكوا وبأي دين آمنوا. مصلحتنا أن نكون مع بعضنا وليس ضد بعضنا.

الدعوات للحروب هي دعوات ليس لها علاقة بالإسلام ولا بأي خلق أو مصلحة لأنها تلقي بشبابنا وأهلنا في جحيم الحرب والصراع.

وقال جبران خليل جبران في رائعته المواكب التي غنت فيروز عددا من أبياتها محذرا من الذين يرتكبون الخطايا بالجملة:

و العدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا ... بهِ و يستضحكُ الاموات لو نظروا

فالسجنُ و الموتُ للجانين إن صغروا ... و المجدُ و الفخرُ و الإثراءُ إن كبروا

فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ ... و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُ

و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ ... و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ

الدعوة للاتحاد بين المختلفين هي دعوة ليست رومانسية، وإنما دعوة تقتضيها مصلحة الجميع فالاتحاد ليس صدقة من أحد لأحد وإنما جهد وتعاون وتكامل كل الأيدي تحت سيادة القانون وتسخير لقوى الجميع لمصلحة الجميع وليس لمصحلة تجارة الأسلحة وتجار الدم والهم وأدواتهم الصغار في نفسوهم وأخلاقهم.

سيبقى الاتحاد حلما بعيدا ما لم يدرك الناس من كل الأعراق والمذاهب والأديان أن قوتهم في وضعهم حدا للإذعان، وحدا لمن يتحكمون في قوتهم وخبز أولادهم محملينهم مزيدا من العبودية والأوجاع والأهوال.

سيبقى الناس أقوى من كل طاغية وظالم وعنصري وعدو للأطفال والحرية. وسينتصر لاعنف الشعوب على كراهية وحروب كل قوى الظلم والظلام.