طلال عوكل - النجاح الإخباري - لم يمض كثير من الوقت على اندلاع الانتفاضات الشعبية التي بدأت في تونس نهايات العام 2010، حتى اختفى من التداول توصيف الربيع العربي، وكأن الربيع هو الفصل الوحيد من بين فصول السنة الذي يبشر بالخير.

يعتقد الحالمون من العرب، الذين يعانون من سطوة الفقر، والتخلف والقمع أن الربيع العربي، يفترض أن يحل على بلدانهم بدون ثمن، خصوصا وأن البدايات من تونس كانت بأثمان زهيدة جدا، مع أن الشعب التونسي لا يزال يمر بمرحلة مخاض التغيير.

حين اندلعت الصراعات الدامية في ليبيا وسوريا، واليمن والعراق، وسالت الدماء غزيرة، والدمار شامل، والتهديد على وحدة الجغرافيا الوطنية، أصبح الحديث عن ما يسمى بالربيع العربي، ينطوي على قدر طاغ من التشاؤم والإحباط. لا بل أن البعض أخذ يحذر من إمكانية امتداد لهيب الصراعات بما يهدد الكيانات القطرية الأخرى، رغم كل ما فيها وما تعبر عنه من تخلف واضطهاد وتغييب لأدوار المجتمعات، وإهدار للثروات الوطنية، واستمرار المراهنات على الدول الطامعة في ثروات العرب.

الاستعمار الغربي والإسرائيلي أدار اللعبة بكفاءة عالية، حسب مخطط تفكيك وإعادة تركيب منطقة الشرق الأوسط، وتقسيم كياناته حتى يسهل السيطرة عليها، وذلك باعتماد خلق وتشجيع الإرهاب، ودعم كل أسباب وعوامل الصراع العرقي والمذهبي والاجتماعي والسياسي، لتدمير إمكانيات الشعوب والأنظمة السياسية وحتى المعارضة. لا يزال الدم العربي يسيل مدرارا، و سواء كان ذلك ربيعا أم خريفا، فإن الصراع مستمر وربما يستغرق سنوات طويلة، قبل أن تستقر الأوضاع على حال.

بعد ثمان سنوات على ثورة الياسمين، لم تتعلم الأنظمة الأخرى من الدرس، حيث اعتقدت أنها منأى، وأنها تحظى بحصانة مضمونة، ولكن بعد ثمان سنوات انتقلت الشرارة إلى السودان الذي تعلمنا في المدارس أنه سلة غذاء الوطن العربي فإذ به لا يستطيع تأمين الغذاء لسكانه.

أكثر من ثلاثين عاما على حكم البشير، ذات الصبغة الإسلامية، كان كل ما تم إنجازه، تقسيم السودان، وارتكاب مجازر عنصرية بحق إقليم دارفور وقمع إرادة الشعب السوداني، وإبقاءه غير قادر على تناول رغيف الخبز. يستطيع البشير أن يرقص على منصة بدائية، يحيط بها رجال الأمن وأنصار حزبه، وأن يحاول ويداور في إطلاق الوعود بالإصلاح، ولكن السؤال هو لماذا لم يبادر إلى الإصلاح بدون انتظار الاحتجاجات الشعبية، وهل يصدق شعب السودان أنه في حال العودة إلى المنازل، سيجد نظاما سياسيا مختلفا؟ هل يمكن لمن فشل في الاحتفاظ بوحدة بلاده، وأن يفشل في تمثل الدروس التي قدمتها وتقدمها شعوب المنطقة، وأن يعيد صياغة الدستور والنظام السياسي على أساس الديمقراطية والتشاركية وحكم الشعب؟

إن ما مضى من أسابيع منذ اندلاع الاحتجاجات التي تتسع دائرتها يوما بعد الآخر، يشير إلى أن النظام لا يملك في المواجهة سوى استخدام آلة القمع، وهي الوسيلة المضمونة، لاستنهاض أغلبية الشعب لمواصلة النضال من أجل التغيير طالما أن النظام متمسك ببقائه وكأنه يدافع عن تكليف رباني. لن يخسر السودانيون شيئا، فهم الآن ومن قبل يخسرون رغيف الخبز في بلاد يمكن في حال آخر أن يوفر الغذاء للوطن العربي، وطالما أن البشير ونظامه يصر على أن يسقي هذا الغذاء بدم الشعب السوداني. إن فشل القيادة السودانية وتخلفها يكمن في أنها لا تنظر إلى ما حولها، وأنها تعتقد أن ما يفترض أن يصيب المنطقة قد أصابها وكفى، وبأن النيران قد انحصرت في مناطق بعينها، أم السودان فإنه خارجها.