بشار دراغمة - النجاح الإخباري - نحن عاطفيون بامتياز، سريعو الفرح وأسرع إلى الحزن والكآبة، تتحكم العاطفة بالكثير من تفاصيل حياتنا اليومية، وتقفز إلى ما هو أبعد، والعاطفة ذاتها تأخذنا إلى "ستوديو تحليلي" ونتحدث في أشياء كثيرة ونكاد  نلمس الحقيقة لكن سرعان ما نرتد عنها خوفا من أن تكون "على غير هوانا".
فرحنا قبل أيام بانجاز اتفاق المصالحة وتوجه حكومة الوفاق الوطني إلى غزة وبعدها الإعلان من القاهرة عن طي صفحة الإنقسام إلى الأبد، الكثيرون استبشروا خيرا بالمرحلة القادمة وقلة راحت تشكك بصدق النوايا، القلة ذاتها تمارس اليوم أسلوبا مثيرا للريبة وتقول أن شيئا لم يتحقق على أرض الواقع، دون أن تعطي المتصالحين فرصة زمنية لا بد منها لإعادة ترتيب ما خلفه عقد كامل من الزمن، لتحاول هذه الفئة تقليب القلوب والعزف على أوتار كل الغرض منها نسف ما تم انجازه على الأرض.
المتتبع لتفاصيل الأمور يدرك أن ما تقوم به حكومة الوفاق الوطني على أرض الواقع هي خطوات مدروسة للغاية تؤسس لمرحلة مختلفة لقطاع غزة، والطريقة التي توجه بها رئيس الوزراء مع أعضاء حكومته إلى القطاع وسلسلة الاجتماعات التي عقدت هناك تؤكد لنا أن الدكتور رامي الحمدلله يدرك جيدا كيف تدار الأمور ويعلم علم اليقين ما هي الخطط التي تحتاجها غزة، فتوجه إلى كل الفئات هناك، ولم يصل إلى حاجز بيت حانون إلا وهو مسلح بالأفكار الجاهزة التي ستخفف ألم غزة وتغير الواقع فيها إذا ما تم فعلا تمكين الحكومة من العمل.
خلال جلسة الحكومة الأخيرة قرر د. رامي الحمدالله تقييد سفر الوزراء إلى الخارج إلا في الحالات الطارئة وفي الوقت نفسه تكثيف التواجد في المحافظات الجنوبية، وأن تكون جلسات الحكومة مرة في غزة وأخرى في الضفة، مثل هذه القرارات وما حمله البيان الحكومي عن تفاصيل الجلسة يعطي المؤشر الكافي حول ما يخطط د.الحمدلله لفعله في غزة وفق برنامج مدروس.
والعارف بشخصية رئيس الوزراء يدرك أنه لا يتصرف بشكل ارتجالي ولا يخطو إلا وفق معطيات ودراسة وخطط كاملة، وما فعله في الضفة الغربية خير دليل على أن القادم سيكون أفضل لغزة، فنزول الراواتب بانتظام بات خبرا روتينيا وربما غير موجود في وسائل الإعلام في الوقت الذي واجهت في الحكومة تقليصا مرعبا للدعم الدولي والعربي، فسارع إلى خطوات هامة على أرض الواقع تحقق شيئا من الاكتفاء الذاتي بإمكانيات شبه معدومة، بل تعداه إلى تقليص الدين العام بذات الإمكانيات لنصل لاحقا إلى إطلاق أجندة سياسات وطنية لم تقدم عليها الحكومات السابقة التي كانت تنعم بدعم دولي سخي.
مثل هذه العقلية قادرة على تحقيق المستحيل في غزة إذا ما أتيحت لها فرصة العمل بحرية  لكن علينا أن لا نستعجل النتائج بين ليلة وضحاها، فالأمور في غزة أكثر تعقيدا مما كانت عليه في الضفة.