النجاح الإخباري - تصنف الأرانب كحيوانات غازية مضرة بالنظام البيئي لأستراليا، حيث سجلت الأخيرة ظهورها بهذه المنطقة في حدود أواخر القرن الثامن عشر بالتزامن مع توافد الأوروبيين عليها.

فأثناء تلك الفترة، عمد البحارة والمهاجرون لجلب الأرانب الأوروبية معهم لتربيتها داخل أقفاص بغية تناول لحمها. لكن خلال الـ150 سنة الماضية، سجلت أعداد الأرانب بأستراليا ارتفاعاً سريعاً لتقدر بالمليارات بسبب رجل يدعى توماس أوستن (Thomas Austin)، وقد أدى تزايد أعداد هذا الحيوان الدخيل لكارثة كادت أن تدمر النظام البيئي لأستراليا.

 
رسم كاريكاتيري يجسد فشل الأسلاك الشائكة في انهاء أزمة آفة الأرانب

يُلقي العديد من الأستراليين اللوم على الإنجليزي توماس أوستن، الذي هاجر لأستراليا مطلع ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ليحل بتاسمانيا قبل أن يستقر لاحقاً، عقب حصوله على قطعة أرض، بوينتشلسي (Winchelsea) التابعة لمنطقة فيكتوريا بالجنوب الشرقي للبلاد.

صورة لعدد من الأرنب بأستراليا خلال القرن الماضي

وخلال العام 1859، استورد توماس أوستن 24 أرنبا بريا من إنجلترا قبل أن يقدم على إطلاق سراحها في الغابة في سعي منه لتشجيع رياضة الصيد التي كانت منتشرة بموطنه الأم. وبادئ الأمر، تكاثرت هذه الأرانب بشكل بطيء حيث حافظت الحيوانات المفترسة على نوع من التوازن بالمنطقة لكن مع تراجع أعداد الأخيرة منتصف ستينيات القرن التاسع عشر سجّلت أعداد الأرانب ارتفاعا مذهلا.

وبعد مضي أقل من 70 سنة على إطلاق سراح 24 أرنبا من قبل توماس أوستن، تجاوز عدد الأرانب بأستراليا خلال عشرينيات القرن العشرين 10 مليارات، وعلى حسب العديد من التقارير كانت الأنثى الواحدة قادرة على إنجاب ما بين 18 و30 أرنبا بالعام الواحد، فضلا عن ذلك هاجرت هذه الأرانب لتنتشر بمختلف أرجاء أستراليا.

فعقب نجاحها في تدمير مليوني آكر (Acre) من المناطق الخضراء والصالحة للزراعة بولاية فكتوريا، هاجرت الأرانب لتحل بولايات نيوساوث ويلز وجنوب أستراليا وكوينزلاند، قبل أن تسجل ظهورها وانتشارها بكثافة أواخر القرن التاسع عشر بولاية غرب أستراليا.

وفي الأثناء، وفرت أستراليا المكان الملائم لتكاثر الأرانب بفضل تضاريسها الجغرافية وطقسها المعتدل وكميات الغذاء الوفيرة وقلة عدد سكانها مقارنة بمساحتها.

صورة لأعداد هائلة من الأرانب التي تم اصطيادها بأستراليا خلال يوم واحد سنة 1951

أثرت الأرانب بشكل واضح على النظام البيئي لأستراليا حيث أدى الرعي الجائر للأرانب لتعرية التربة وتحللها وتدهورها وجعلها غير صالحة للزراعة. فضلا عن ذلك، أتلفت الأرانب المراعي لتهدد بذلك وجود المواشي والعديد من الحيوانات الأخرى كما سجّلت كميات الغذاء بالبلاد تراجعا واضحا بمرور السنين وهو ما تسبب في إغضاب الفلاحين الذين طالبوا السلطات بالتحرك.

وللقضاء على آفة الأرانب بالبلاد، لجأ الأستراليون في البداية لتقنيات تقليدية اعتمدت أساسا على الصيد. وأمام فشل هذه الطرق، أقدمت السلطات الأسترالية على إحاطة المناطق الزراعية بأسلاك شائكة امتد بعضها لأكثر من ألف ميل.

ومرة أخرى لم تحقق الأسلاك الشائكة النتائج المرجوة حيث عبرت نسبة هامة من الأرانب نحو المناطق المحمية أثناء فترة تشييد هذا الحاجز، كما لم تتردد الأرانب في الحفر تحت الأسلاك الشائكة لبلوغ المناطق الزراعية والحصول على الغذاء.

صورة التقطت مطلع القرن الماضي تجسد عملية نقل أعداد كبيرة من جلود الأرانب التي تم اصطيادها بأستراليا

ولجأت السلطات الأسترالية منذ خمسينيات القرن الماضي للاعتماد على التقنيات البيولوجية للقضاء على آفة الأرانب، فأطلقت في الغابات بعوضا حاملا لفيروس myxoma، الذي كان فيروسا يؤثر على الأرانب فقط وقادرا على قتلهم بشكل سريع عثر عليه بجنوب القارة الأميركية، كما استخدمت خلال تسعينيات القرن الماضي نوعا آخر من البعوض حاملا لمرض نزيف الأرانب (rabbit hemorrhagic disease)، وبفضل ذلك تراجع عدد الأرانب بأكثر من 90 بالمائة مقارنة بالسابق ليقدر بنحو 200 ألف أرنب سنة 2018.