النجاح الإخباري - يطرح الناقد العراقي إسماعيل إبراهيم عبد، في كتابه “تكنو- ثقافة” مجموعة من الشروط الواجب توافرها في الروايات العربية، بأسلوب نقدي يصنّف عوالم روايات عدد من الروائيين العراقيين، من نواح جمالية ودلالية وثقافية، داعيًا إلى حرية الجمع بين تقنيات سردية مختلفة.

ينقسم الكتاب الصادر حديثًا عن دار الأمل للنشر والتوزيع في إربد (الأردن)، إلى ستة فصول، من عناوينها “الثيم الأنثروبولوجية في السرد النفسي”، “روائيو الأنثروبولوجيا الشعبية”،”أيديولوجيا الثقافة الروائية”، “الرواية الأيكولوجية والنقد”، و”تداولية التأثيث السردي”.

ويبحث الناقد في ما يسمى بـ”الرواية النفسية”، موضّحًا التقنية التي يتبعها المؤلف لإتمام روايته، مبيّنًا التداعيات التي تشكّلها الرواية من وجهة نظر السارد، عبر تحليل العوامل التي تستند إليها مجموعة من الروايات في سياق تطبيقات السلوك الإنساني في السرد النفسي، ومنها رواية "آلام السيد معروف" للروائي غائب طعمة فرمان، التي صنَّفها إلى عشرة هذيانات عدَّها نوعًا من "الإنشاء المجازي"، الذي يصفه بأنَّه إنشاء جُمل ذات معنى تفيض بمبدأ فلسفة التحول النفسي والجسدي.

كما وقف إسماعيل إبراهيم عبد، في هذا الفصل، على رواية "فصول محذوفة من رواية بتول" لمحمد سعيد الصكار، التي تكاد تطغى فيها العلاقات الحزبية على غيرها من العلائق، وما تحويه هذه العلاقات من تضحيات ونكبات وخيانات بالدرجة الأولى، ورواية "بحر أزرق قمر أبيض" لحسن البحار، التي تنتمي إلى أدب الرحلات، مبحرة بالقارئ من عالم الواقع إلى عالم الخيال، ومن عالم البحر إلى عالم الأدب.

عناصر مؤثثات الرواية

في ثاني فصول كتابه اهتمّ الناقد بالأسطورة، محلّلًا مجموعة روايات تقوم على علاقة بين الأسطورة والأنثروبولوجيا الشعبية، كونها ترتكز على المجتمعات البدائية.

ويعرف هذا النمط من الرواية بأنَّه يحتوي على “حكاية ذات أحداث عجيبة خارقة للعادة”، أو تدور حول “وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها وتحويلها وتزيينها”. وهو بذلك يربط بين الأسطورة والحكاية الشعبية، انطلاقا من أن الأخيرة تتميز بهاجس اجتماعي بشكل رئيسي عن حكاية الخرافة والبطولة، كما يعدها واقعية إلى أبعد حد، خالية من التأملات الميتافيزيقية والفلسفية، ومركزة على أدق تفاصيل الحياة اليومية وهمومها.

يحلل إسماعيل إبراهيم عبد في الفصل الثالث الآلية التي يجري عبرها تناقل الإرث المعرفي، ملتقطا مجهودات الروائي في أثناء سعيه لتثبيت موقفه، “كونه الوريث القادر على فحص آثار بلاده والحفاظ عليها بحسب الفرصة التي خلقها لنفسه”. ومن الروايات التي مثلت هذا الموضوع “قوة الضحك في أورا” لحسن مطلك، و”التل” لسهيل سامي نادر.

وعلى صعيد الأطر الفلسفية والفكرية، يتناول الناقد التوجه الأيديولوجي للسرد الروائي، الذي يرى أنه يتحدد في موضوعات ذات غايات سياسية وعقائدية نفعية، كما في رواية “حدائق الرئيس” لمحسن الرملي”، التي تتّخذ الشكل التراجيدي لكتابة تاريخ العراق السياسي طوال نصف قرن، من خلال سيرة ثلاث شخصيات متلازمة، يتقاطع فيها العائلي والسياسي على نحو عنيف، ورواية “مشرحة بغداد” لبرهان شاوي، وهي رواية كابوسية صادمة تجعل من بغداد برمتها، أو العراق كله مشرحة مهولة تبث الخوف في قلوب الناس، ورواية “دلمون” لجيان (اسم مستعار للكاتب الكردي العراقي يحيى بابان من جيل ستينات القرن العشرين)، وهي عن تجربة رجل يهرب من العراق إلى البحرين ويقيم فيها مداوما على عمل روتيني في السفن المبحرة بالخليج.

وفي موضوع الإيكولوجيا والنقد يسلط الناقد الضوء على بيئة الرواية، قائلا “إن النقد البيئي هو منهج غير معروف في العالم العربي إلا على نحو ضئيل للغاية”. ومن الروايات التي يحللها في هذا الفصل “ليلة الملاك” لنزار عبدالستار، و”المحجوب بقمره الواحد” لحسين محمد شريف، مؤكدا أن الأولى تتميز بكونها “رواية وصف بيئي من الطراز المناسب لتوجهات إيكولوجيا الأدب الروائي، إذ تحتفل برؤى إيكولوجية متناسقة مع رؤى مكانية زمانية تخص أنسنة التوحد البيئي”.

ويناقش الناقد في الفصل الأخير من الكتاب شروط التأثيث السردي، التي توفر “عناصر مؤثثات الرواية لتصبح حكاية واجبة التصديق والإقناع، على الرغم من كونها مخلوقات إشارية لا يبين منها سوى مظهر مضلل يستدعي لنفسه مضمرات”. ويحلل في هذا الخصوص رواية “الندامة” لسلام عبود، ورواية “طائر الفنجس” ليحيى صاحب.