النجاح الإخباري - مع دخول الحرب شهرها الثامن لا تزال حركة حماس والفصائل الفلسطينية تقاتل عبر تكتيكات العصابات المكونة من فرق قوامها مقاتلين أو ثلاثة يخرجون من الأنفاق والمباني المدمرة يضربون ويفرون، كما تعيد الحركة تنظيم صفوفها في المناطق التي سبق ودخلها جيش الاحتلال في شمال القطاع ويستأنفون قصف المستوطنات في غلاف غزة.

ويرى محللون وخبراء أنه رغم تحقيق إسرائيل لمكاسب في بداية الحرب البرية بسبب الكثافة النارية إلا أنها ما لبثت تبخرت بعد إعادة حماس تنظيم صفوفها لتخوض ضد الجيش مناوشات توقع القتلى والجرحى بشكل شبه يومي، مما أثار شعورًا متناميًا بين الإسرائيليين بأن جيشهم محاصر بخيارات محدودة وصعبة، مما أدى إلى استحضار مقارنات مع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.

ما سبق دفع وزراء في حكومة الحرب وهما بيني غانتس ووزير الحرب يوآف غالانت إلى الخروج في مؤتمرات صحفية للتأكيد على ضرورة مناقشة اليوم التالي للحرب في غزة، وأكد غالانت رفضه لإعادة احتلال القطاع كون الجيش لا يمتلك الموارد ولا عدد الجنوب للقيام بهذه المهمة.

ورغم تأييد معظم جنرالات الجيش للرد الانتقامي بعد أحداث السابع من أكتوبر، إلا أن استمرار القتال وعدم قدرة الجيش على تحقيق الشعار الذي يرفعه نتنياهو "النصر المطلق"، يجعل إسرائيل تعيد حساباتها، وصادق مجلس الحرب أمس على إعادة التفاوض على وقف إطلاق النار.

يقول الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء واصف عريقات لـ"النجاح" إن دولة الاحتلال تحاول منذ السابع من أكتوبر استعادة هيبتها وقوة ردعها، وهي حتى اليوم غير قادرة على تحقيق الأهداف التي أعلنتها ألا وهي تحرير الأسرى بالقوة العسكرية، وتدمير المقاومة الفلسطينية".

وأشار عريقات إلى أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية بركائزها الثلاث الردع والإنذار والحسم لم تعد موجودة بعد السابع من أكتوبر، ودولة الاحتلال فشلت في أن يكون لديها معلومات أمنية واستخباراتية دقيقة للسيطرة أكثر على أرض الواقع، ورغم وجود 120 ألف جندي على مدار أشهر في قطاع غزة لم يستطيعوا تحقيق الردع بسبب عدم وجود معلومات أمنية، وهذا يفقد قوات الاحتلال حسمها في المعركة استعادة قوة الردع".

ووسط هذا الوضع تطرح أربع سيناريوهات لإنهاء الحرب:

احتلال عسكري واسع النطاق

وقد وعد نتنياهو بتحقيق "نصر كامل" من شأنه أن يزيل حماس من السلطة، ويفكك قدراتها العسكرية ويعيد عشرات الأسرى الذين لا يزالون بقبضة حماس.

ويطالب أعضاء الائتلاف اليمني في حكومة نتنياهو بإعادة احتلال غزة وإقامة المستوطنات بها، لكن معظم الإسرائيليين يعارضون هذا الخيار، لكن ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة هآرتس يرى في مقال له إن نتنياهو يهدف من إخلال إطالة أمد الحرب على السيطرة على غزة عسكريا عبر فرض الأمر الواقع، وهو من خلال دخوله إلى رفح يهدف إلى سرقة الوقت وتخدير الأميركيين، الذي يسمع منهم ويعمل عكس ما يقولون، ويضرب أمثلة كثيرة على قيام نتنياهو بفعل عكس ما طلبته الولايات المتحدة.

لكن السيطرة على غزة عسكريا مكلفة جدا، كما يقول غالانت، كما أنها لا تضمن أيضا القضاء على حماس التي تمتلك شبكة أنفاق واسعة مكنتها من القتال حتى الآن وتصنيع الأسلحة، وتقدر وكالة المخابرات الأميركية إن 65% من انفاق حماس لا تزال سليمة رغم دخول الجيش الإسرائيلي لغالبية المناطق في غزة.

وفي حال احتلت إسرائيل غزة عسكريا فقد تتواصل حرب الاستنزاف ضد جنودها، كما أنها ستصبح مسؤولة عن 2.3 مليون فلسطيني، وتوفير الطعام والصحة والتعليم وغيرها من الخدمات، ومن غير الواضح إلى أي مدى سيتدخل المانحون الدوليون لتمويل إعادة الإعمار في حال أقدمت إسرائيل على احتلال القطاع أو استمرار القتال.

وفي آخر تصريحاته، قال نتنياهو إن إسرائيل تهدف إلى سحق حماس ونزع سلاحها ثم تقوم بتسليم السيطرة على غزة لجهة فلسطينية محلية لا تؤيد حماس ولا تعمل على تدمير على إسرائيل. ويرفض نتنياهو بشكل قاطع تسليم قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية التي يرى أنها لا تختلف عن حماس بشيء، واتخذت حكومته في الفترة الأخيرة سلسلة خطوات لتقويض السلطة بعد هجمات السابع من أكتوبر، وأخرها بعد اعتراف إيرلندا وإسبانيا والنرويج بالدولة الفلسطينية.

وبخصوص قدرة نتنياهو على إيجاد بدائل فلسطينية محلية للتعامل معها، تنقل وكالة الأنباء الفرنسية عن مايكل ميلشتين، المحلل الإسرائيلي للشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب وضابط المخابرات العسكرية السابق، إن الجهود المبذولة للتواصل مع رجال الأعمال الفلسطينيين والعائلات القوية "انتهت بكارثة".

ويقول إن الإسرائيليين الذين يبحثون عن مثل هؤلاء الحلفاء يبحثون عن "وحيدات القرن" - وهو أمر غير موجود.

كما رفضت الدول العربية هذا السيناريو بشدة - حتى الإمارات العربية المتحدة، التي تعد واحدة من الدول القليلة التي اعترفت رسميًا بإسرائيل ولديها علاقات وثيقة معها.

وقال وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان هذا الشهر إن “الإمارات ترفض المشاركة في أي خطة تهدف إلى توفير غطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة” .

صفقة كبرى

الخيار الثاني المتعلق بإمكانية إنهاء الحرب على غزة يقوم على إمكانية عقد صفقة كبرى، عمادها المملكة العربية السعودية التي تتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل توقيع تحالف بموجبه تعترف المملكة بإسرائيل لكن السعودية تشترط إقامة دولة فلسطينية لحل الصراع في الشرق الأوسط.

تقوم فكرة هذا المقترح على إصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة إلى حكم قطاع غزة، وكانت حماس سيطرت على غزة بعدما طردت السلطة منها عام 2007، واسمت حماس الخطوة بالحسم، فيما وصفتها حركة فتح والسلطة الفلسطينية بالانقلاب.

ويرفض أقطاب مجلس الحرب في إسرائيل فكرة إقامة دولة فلسطينية، ويعتبرون أن مثل هذه الخطوة تعود مكافأة لما يسمونه الإرهاب، كما عبروا عن سخطهم أمس بعد اعتراف 3 دول أوروبية بالدولة الفلسطينية.

وكانت حماس في الأعوام الأخيرة عدلت ميثاقها، وأعلنت أنها تقبل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.

صفقة تبادل تقود لوقف إطلاق النار

يحاول الوسطاء ممثلين في قطر ومصر وبرعاية الولايات المتحدة بلورة صفقة وقف إطلاق نار يتم عبرها تبادل للأسرى، لكن إسرائيل تصر على موقفها الرامي إلى عدم وقف الحرب كشرط لوقف إطلاق النار وتحقيق التبادل.

واقترحت حماس اتفاقاً مرحلياً تفرج بموجبه عن جميع الأسرى مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين – بما في ذلك كبار المسلحين – بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ووقف طويل لإطلاق النار وإعادة الإعمار.

لكن نتنياهو يصر على رفض وقف الحرب، ويردد شعار "النصر المطلق"، بينما تطلع حماس إلى وقف الحرب لإعلان "الانتصار" والبقاء مسيطرة على قطاع غزة، وهو ما يعقد من إمكانية تطبيق هذا السيناريو.

لكن أهالي الأسرى الإسرائيليين يضغطون للموافقة على صفقة تبادل ولولا كانت بمقابل وقف الحرب.

ويتهمون نتنياهو بالوقوف في طريق مثل هذا الاتفاق لأنه قد يدفع حلفائه اليمينيين المتطرفين إلى إسقاط حكومته، مما قد ينهي مسيرته السياسية ويعرضه للمحاكمة بتهم الفساد.

 السيناريو الرابع: الوصول للسنوار

تحتاج إسرائيل إلى تحقيق نجاح ما لكي توقف الحرب، على غرار أن تتمكن مثلا من اغتيال قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، الذي تصفه بالعقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول.

لم يظهر السنوار للعلن منذ بداية الحرب، ولا يُعرف مصيره، رغم أن إسرائيل قالت عندما اجتاحت خان يونس إنه يختبئ في الأنفاق. والآن تروج وسائل الإعلام الإسرائيلية لفكرة وجود قادة حماس بمن فيهم السنوار في رفح.

ولحماس شبكة واسعة من الأنفاق في قطاع غزة، وهي بحسب التقديرات متنوعة، فمنها المخصص للقتال، ومنها الاستراتيجي على عمق عشرات الأمتار تحت الأرض، ومنها المخصص للقيادة والسيطرة واختباء كبار قادة الحركة.

وحال الوصول لقائد حماس في غزة، ستروج إسرائيل لهذا على أنه إنجاز، وهو ما يصب في صالح نتنياهو انتخابيا، وحينها ستتنازل بوضوح عن شروطها الحالية لإبرام اتفاق تهدئة، وستؤسس لاحقا لنقاش أوسع حول اليوم التالي وطريقة إدارة غزة.