النجاح الإخباري - جاء شتاء الضفة الغربية ورحل دون أن يترك كما هي العادة تلك الذكريات التي كانت تنبث من أعماق التراب وتروي قصصا متشابكة عن الأرض والحياة والموت في مسارات ملتوية.

من الخليل في أقصى جنوب الضفة الغربية مرورا بنابلس ورام الله ووصولا إلى جنين في أقصى الشمال كان لنبات العكوب الشوكي فرحته السنوية، فتنبض الكثير من البيوت بحاكية العكوب حاملا معه عبقا من فرح ومعاناة معا.

رحلة البحث عن العكوب محفوفة دوما بالمخاطر في الضفة الغربية، هي رحلة تجمع الكثير من التناقضات معا تضع الفرح والوجع في ذات المكان.

في الخليلِ، حيث ينبض في الكثير من الزوايا، ودع الشقيقان نجم الدينِ وصلاح شوامرة مطلع الشهر الجاري الحياة على مذبح نباتِ العكوب. رحلة انتهت بدوي الرصاصِ الإسرائيلي، وتركت وراءها عائلة ثكلى وأحلاما مبعثرةً، وشقيق ثالث لا يزال يداوي جراحه الخطرة.

كان الأشقاء الثلاثاء يتشاركون في رحلة الألم والفرح المشترك فأطلق عليهم جنود إسرائيليون النار خلال جمعهم نبات العكوب من على سفوح الجبال.

لم يتوقع الأشقاء الثلاثاء أن هذا هو مصيرهم في رحلة البحث عن نبات العكوب في ظل إجراءات إسرائيلية متصاعدة في الضفة الغربية.

وللفلسطينيين علاقة خاصة تجمع ما بين الفرح والمعاناة مع نبتة العكوب ذات الأشواك القاسية التي يحتاج جمعها إلى رحلة محفوفة بالمخاطر في الجبال التي تحيط بها المستوطنات الإسرائيلية.

يشكو جمال المدني الذي يمتهن تجارة العكوب حال موسمه هذا العام وارتفاع أسعاره بشكل وصفه "بالجنوني" نظرا لندرته.

يقول المدني لوكالة أنباء العالم العربي "موسم العكوب هذا العام لم يكن موسما حقيقيا، ولم يتجاوز الإنتاج أكثر من عشرة بالمئة من الموسم الطبيعي، كان يدخل في كل عام إلى مدينة نابلس أطنان من العكوب، لكن هذه السنة فقط بضع مئات الكيلوغرامات هي التي دخلت إلى المدينة".

ويتحدث المدني عن ظروف صعبة لجمع العكوب هذا العام تزامنا مع إجراءات إسرائيلية على الحواجز تمنع في كثير من الأحيان الدخول والخروج من المدينة، بالإضافة للظروف الأمنية المتوترة والتي تجعل الكثير من العاملين في جني ثمار العكوب يعكفون عن العمل به هذا العام خوفا على حياتهم في ظل تزايد هجمات المستوطنين في الضفة الغربية وكذلك عمليات القتل التي ينفذها الجيش الإسرائيلي.

والعكوب نبات شوكي ينبت على سفوح الجبال في الشتاء ويصنع الفلسطينيون منه أطباقا متنوعة أبرزها طهي العكوب مع اللبن واللحم.

ويقول المدني إن العكوب كان يشكل كل عام ما يشبه الدائرة الاقتصادية بحيث يستفيد منه من جني ثماره، ومن ثم تعمل به عائلات تقوم على تنظيفه من الأشواك مقابل أجر ويوزع على المحلات التي تبيع منه بكثرة في موسمه.

ويباع كيلو العكوب الجاهز للطهي في الأسواق حاليا بثمن يصل أحيانا 100 شيكل (نحو 30 دولارا) في حال وجوده، أما العكوب غير المنظف من أشواكه فيباع الكيلو بنحو 30 إلى 40 شيكل.

أم محمد التي اكتفت بتعريف نفسها بهذا الاسم تقول إنها كانت تشتري العكوب بنحو خمسة شيكل كل عام وتقوم هي بتنظيفه وبيعه لاحقا منظفا للمحلات والمواطنين.

وبالنسبة لأم محمد فإن العكوب كان مصدر دخل لها ولعائلاتها لكنها فقدت هذا المصدر بسبب عدم توفر العكوب في الأسواق.