غزة - اياد عبادلة - النجاح الإخباري - كشفت مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى عن تقدم "ملحوظ ومفاجئ" طرأ على المفاوضات غير المباشرة التي تجري في ملف صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس، وحكومة الاحتلال الاسرائيلية، ووفقا لصحيفة لـ"الخليج أونلاين"،  أكدت المصادر أن الوسيط الألماني حقق تقدماً ملحوظاً وهاماً في الصفقة من خلال اتصالاته وجولاته التي قام بها بشكل سري في المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة، وأوضحت أن الاحتلال أبلغ الوسيطين الألماني والمصري بأنَّه على استعداد لدعم مفاوضات الصفقة، والاستجابة للشرط الرئيس الذي تضعه حركة "حماس" مقابل استئناف الحوارات واللقاءات غير المباشرة بهذا الملف المجمد منذ شهور طويلة، وذكرت أن حكومة الاحتلال قررت بشكل "أولي" الموافقة على الإفراج عن كل الأسرى الذين تم اعتقالهم بعد الإفراج عنهم ضمن صفقة "جلعاد شاليط" التي تمَّت عام (2011)، وجرى بموجبها الإفراج عن عنصر من قوات الاحتلال الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح (1027) أسيراً فلسطينياً.
فيما وجَّه الناطق العسكري باسم كتائب القسام "أبو عبيدة"، التحية إلى الأسير الفلسطيني نائل البرغوثي، مؤكدًا أنه على موعد مع الحرية، وكتب في تغريدة عبر صفحته على "تويتر"، الثلاثاء، "التحية الجهادية لأسطورة السجون وأيقونة المقاومة والصمود نائل البرغوثي ونقول له: كما كسرنا القيد في وفاء الاحرار سنكسر أنف المحتل وستعانق الحرية من جديد بإذن الله"،  وأضاف: "كما كسرنا القيد في وفاء الأحرار سنكسر أنف المحتل، وستعانق الحرية من جديد".
تغريدة أبو عبيدة، حملت عدة تساؤلات حول توقيت إطلاقها تزامنًا مع تصريحات صدرت عن مصادر دبلوماسية مصرية ودولية، والهدف من نشرها في هذا التوقيت بالتحديد، فضلًا عن الحراك القوي من القيادة والمخابرات المصرية على صعيد ملفات التهدئة والمصالحة وصفقة تبادل أسرى محتملة، وفقًا لمصادر نشرتها صحيفة "الخليج أون لاين"، وغيرها، إضافة إلى تراجع اليمين "الاسرائيلي" عن اسقاط حكومة نتنياهو بالرغم من التهديدات التي أطلقها قادة حزب البيت اليهودي "بينيت وشاكيد"، الأمر الذي يشير إلى ضرورة وحتمية استمرار حكومة الاحتلال من أجل تنفيذ صفقة سياسية كبرى قد تتضح معالمها قريبًا، بينما ما يثير الشك أكثر هو تهديدات قادة اليمين المتطرف في دولة الاحتلال لقائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار.
الكاتب والمحلل السياسي د. ناصر اليافاوي، رأى أن هناك متغيرات سياسية قادمة على المنطقة برمتها، نتيجة تلاحق الاحداث وتسارع التصريحات من جميع الاطراف، فبدءا من التدخلات المصرية والدولية واشراك وسيط نرويجي هذه المرة من أجل تثبيت التهدئة مع الاحتلال، إلى منع انهيار حكومة نتنياهو، ومنح الكابينيت فرصة أكبر للجهود المصرية من أجل تثبيت تهدئة، والسير قدما في خط متوازي تجاه المصالحة الفلسطينية، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من مباشرة عملها في قطاع غزة وفقا لإتفاق القاهرة أكتوبر 2017، مشيرًا إلى أن اسقاط حكومة نتنياهو "وفقًا للوسطاء" كان من شأنه أن يقود إلى نسف كل الجهود الذي تبذل على جميع المسارات، آنفة الذكر.
وأوضح في تحليل لـ"النجاح الاخباري" أن كل المعطيات والرسائل تشير إلى صفقة سياسية متكاملة، تبدأ بتهدئة طويلة الأمد وتبريد لجبهة الجنوب بالنسبة للاحتلال، والحد من الاستمرار في مسيرات العودة، تمهيدا لصفقة تبادل أسرى مع الاحتلال برعاية مصرية عبر عدد من الوسطاء الدوليين أبرزهم الوسيط الألماني، "إرنست أورلاو"، الذي زار غزة وتل ابيب سرا قبل أسابيع، والتقى بعض قيادات "حماس" من أجل التوصل لصفقة تبادل أسرى، قد تكون شبيهة بالصفقة التي تم الافراج فيها عن عنصر الاحتلال "شاليط" مقابل (1027) أسيرًا فلسطينيًّا، لكنَّه بيَّن أنَّ الذي يختلف عن سابقتها في هذه المرة هو الضمانات العربية والاوروبية، خصوصا في ظل ما تتطلع له دولة الاحتلال من فتح علاقات جديدة مع بعض الدول العربية، وفقا لما صرحت به مواقع عبرية.
وكان الوسيط الألماني إرنست أورلاو انخرط في "صفقة شاليط"، بعد أسر عنصر قوات الاحتلال الإسرائيلية في عملية نوعية نفذتها المقاومة الفلسطينية في موقع عسكري للاحتلال قرب معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي مدينة رفح جنوب قطاع غزَّة في (25) يونيو (2006).
أما المحلل السياسي المختص في الشأن الاسرائيلي، د. هشام أبو هاشم أكد على أن صفقة سرية تدور في الكواليس مستندا على المعطيات والمؤشرات الاعلامية التي صدرت عن عدة مصادر مصرية وأطراف أجنبية، منبها إلى أن الصفقة لازالت تراوح في المستوى الأخير نتيجة ارتفاع سقف مطالب المقاومة، وتعنت الاحتلال بالقبول بها، واعتبر تصريح أبو عبيدة بأنه يأتي في السياق الطبيعي مع دخول الاسير نائل البرغوتي عامه الـ(39)، لكنَّه نوَّه إلى أنَّ توقيت التصريح يحمل مؤشرات ايجابية على صفقة محتملة، قد تكون جزءا من صفقة سياسية أكبر وأشمل، يكون هدف الاحتلال فيها الفصل بحسب توجه نتنياهو الليكودي الذي تبنى عملية الانسحاب من قطاع غزَّة المفاجيء عام (2005)، بهدف الفصل.
وأشار في تحليله إلى "النجاح الاخباري" أن هدف الاحتلال والليكود تحديدا يكمن في بناء كيان منفصل في غزة، ومنح الضفة الغربية حكمًا ذاتيًّا، باستثناء القدس، الأمر الذي يمهد لنتنياهو التخلص من قضايا الحل النهائي "المستوطنات واللاجئين والمياه"، موضحا أن ما يدور في الكواليس يستدعي متابعة آنية وقراءة دقيقة في ظل تشابك الخيوط وخلط الأوراق.
وأوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، في تقرير له على "العربي الجديد" إلى أن نتنياهو عمد خلال الـ(72) ساعة الأخيرة إلى تكرار عبارة "إسرائيل في مواجهة تحديات أمنية واستراتيجية تتطلّب من الشعب أن يكون مستعدًا للتضحية" أربع مرات.
وكانت هيئة البث العبرية، قد أعلنت أن ما يعرف برئيس مجلس الأمن القومي للاحتلال، "مئير بن شابات"، يعمل على تحضير زيارة متوقعة لنتنياهو إلى دولة عربية، ويتواجد حاليًّا لهذا الهدف بصورة سريَّة في تلك الدولة، التي لم يكشف عن اسمها، وأفاد بأن لا علاقات دبلوماسية لها مع الدولة العبرية، وجاء هذا الخبر بعد يوم من إعلان نتنياهو أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن في كنيست الاحتلال، أنه يتوقع "مفاجآت كبيرة" في العلاقات بين دولة الاحتلال وبعض الدول العربية، بعد إجرائه محادثات في مسقط مع سلطان عمان، قابوس بن سعيد، في أول اجتماع من نوعه منذ عام (1996).
وفي خضمّ التغيرات المناخية السياسية في المنطقة، من حراكات واسعة يقودها الاحتلال لتوسعة رقعة العلاقات مع دول عربية سرًا، وتهديدات اليمين المتطرف لقائد حماس بالاغتيال، وطلب نتنياهو من أعضاء الكابينيت عدم التطرق لتصريحات بشأن غزَّة، والانتقال إلى الجبهة الشمالية والتطرق أكثر عن تنامي قوة حزب الله في الجنوب اللبناني، ومزاعم الاحتلال بنقل الحزب أسلحة ايرانية إلى قطاع غزَّة، ولغة نتنياهو الخطابية، تتشابك التعقيدات السياسية أكثر، حول المزاعم بتسوية سياسية أم تصعيد محتمل، لكن متى .. تبقى الأسئلة رهينة للتطورات الميدانية، والمستقبل السياسي لحكومة نتنياهو التي باتت ضعيفة بعد انسحاب ليبرمان من الائتلاف الحكومي، الاسبوع الماضي، وانحصارها في (61) مقعدًا مقابل (59) للمعارضة.
وطالب رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو"، من وزرائه التوقف عن التصريحات التي يدلون بها لوسائل الإعلام المختلفة حول غزة والسنوار، مؤكداً على ضرورة الالتزام بالخط الذي تم تحديده في جلسة "الكابنيت"، ووفقاً لموقع "روتر العبري"، قال ما يعرف بوزير الاستيطان وعضو الكابنيت "يوئاف غالنت" خلال كلمته في مؤتمر "جروزاليم بوست"، الأربعاء، إن السنوار لن ينهي حياته في دور رعاية المسنين، موضحاً "إذا ما أرادت حماس الحرب فنحن جاهزون وإذا ما أرادوا الحوار فنحن جاهزون أيضا".
ووصف اليافاوي تصريحات الاحتلال باغتيال قائد الحركة في غزة، يحيى السنوار، بالفرقعات الاعلامية لتهدئة الرأي العام بين جمهور المستوطنين الذين انقلبوا على الحكومة بمظاهرات يومية عمت جميع المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، وانتقلت إلى مركز الاحتلال في تل أبيب، مشيرا إلى أنهم أرادوا ايصال رسائل، أولها إلى المستوطنين بأن قوات الاحتلال لازالت تمتلك بنك أهداف على رأسه "هنية والسنوار"، وثانيها إلى قادة المقاومة بأن قادتكم مهددون بالاغتيال، والثالثة إلى الشعب الفلسطيني كنوع من الترهيب بأن الاحتلال جاهز لأي عملية عسكرية محتملة في قطاع غزة، بعد فشله الأمني.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة، د. ابراهيم المدهون أن تركيز الاحتلال الإسرائيلي كثيرا على شخصية السنوار واطلاق تهديدات واضحة بالاغتيال هروبا من هزيمة التصعيد الاخير، تعويضا نفسيا واعلاميا في ظل فشل الاحتلال بمواجهة مقاومة غزة وإذعانه لحقوق شعبنا، وصدمته من ضرب عسقلان وبئر السبع وكشف مهمته الاستخبارية في خانيونس.
وأشار المدهون إلى أنَّ حماس ليست شخصًا أو عشرة أشخاص، منوِّها إلى أنَّها منظومة ممتدة وقوية، ويحاول الاحتلال بتهديداته لمشعل وهنية والسنوار والعاروري وغيرهم  رسم صورة نصر وقوة مفقودة، وأضاف، "لا شك أن المقاومة تأخذ التهديدات على محمل الجد، وتذهب لاقصى درجات الحيطة والحذر، وأنها نتعامل مع عدو ماكر وخبيث.
وهدَّد المعروف ب"وزير الأمن الداخلي للاحتلال"، جلعاد أردان، بأنَّ دخول قوات الاحتلال القطاع للسيطرة على أجزاء منه أو كلّه أصبح أقرب من الماضي، وأضاف، إذا قرَّرت حكومة الاحتلال الانتقال من الدفاع إلى الهجوم ضد حماس، فالتطبيق سيكون اغتيال قادة حماس، فيما قالت وزيرة العدل إياليت شاكيد، إنَّ اتّفاق وقف إطلاق النار الأخير في غزَّة "لن يدوم لأكثر من عدة أشهر"، أما المسمى "وزير البناء والإسكان في حكومة الاحتلال" يؤاف غالانت، فقال: إنَّ حياة زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار "محدودة"، في أبرز تهديد باغتياله يصدر عن مسؤول في دولة الاحتلال، كما هدد غالانت بـ"شن حرب جديدة على قطاع غزة، من دون أن يقدم توضيحات حول موعدها"، بينما صرَّح عضو كنيست الاحتلال عن حزب الليكود "جدعون ساعر"، الاربعاء، بأن المرحلة الحالية هي أفضل مرحلة لضرب حماس في غزة، وإن لم نتصرف سنندم. وأضاف في معرض حديثة بمؤتمر "جيروزاليم بوست": "يجب تنفيذ ضربة استباقية ضد حماس في غزة، الربح سيكون أقل والسعر أعلى إذا لم نتصرف الآن، وبالطبع فإن مثل هذا الهجوم قد يؤدي إلى رد فعل، لكننا سندفع ثمناً أكبر بكثير في الجولة القادمة إذا لم نتصرف".
واتفق د. هشام أبو هاشم بأن تهديدات الاحتلال لقادة حركة حماس والمقاومة في غزة ليس إلَّا للاستهلاك الاعلامي وابراز القوة في مؤتمر "جروزاليم بوست" كنوع من الدعاية الانتخابية، لكنه شدد على أن المقاومة لا تأمن مكر وتهديدات الاحتلال وتأخذها على محمل الجد نتيجة التهور المعهود منه، فيما رأى أن الجبهة الشمالية هي الاكثر سخونة في الوقت الراهن بالنسبة للاحتلال، مشيرا إلى أن الذي يؤلم نتنياهو هو تنامي العلاقات بين المقاومة وايران عبر حزب الله، كما يزعم الاحتلال، واستخدام صواريخ دقيقة في التصعيد الأخير.
ونبَّه إلى أن نتنياهو حافظ على حكومته من السقوط بثمن سياسي كبير قد يكون عملية عسكرية كبيرة ومعقدة، مرجحا أن تكون على الجبهة الشمالية التي تعتبر أكثر سخونة من الجنوبية بالنسبة للاحتلال، مستندا في ذلك على اسناد مهمة قيادة اركان الاحتلال الجديدة إلى مسؤول الجبهة الشمالية، "أفيف كوخافي".
وقاد كوخافي ما يسمى بـ"كتيبة غزة" التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلية، و"لواء الشمال"، ورأس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، ووحدة العمليات في قوات الإحتلال، كما شارك في قمع الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى حرب لبنان الأولى (1982) والثانية عام (2006)، وشارك في الحروب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة في الأعوام 2008 و2011 و2014.
ويتفق معه الخبير في الشأن الاسرائيلي صالح النعامي الذي أوضح في تقرير لـ"العربي الجديد" أن الكثير من المؤشرات تدل على أنّ فرص انفجار الجبهة الشمالية قد تعاظمت كثيرًا أخيرًا.
فبحسب التقديرات "الإسرائيلية"-كما يذكر النعامي- فإنّ إيران التي تجلّدت واستوعبت على مدى أكثر من عام غارات قوات الاحتلال الإسرائيلية التي استهدفت وجودها في سورية، يمكن أن تلجأ إلى تفجير الجبهة الشمالية ردًا على تعاظم وطأة العقوبات الأميركية واشتداد حدّة الحصار عليها.
ولفت إلى ما ذكره معلّق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة العاشرة ألون بن دافيد مساء الاثنين بأنّ "الساحة الجغرافية للحدث الأمني الذي يتوقّع نتنياهو أن تضطر "إسرائيل" للتدخّل للردّ عليه تقع خارج حدود الاحتلال"، وأوضح بن دافيد أنّ "مخاوف تل أبيب تستند إلى تأويل الاستخبارات "الإسرائيلية" لنوايا الأطراف المرتبطة بهذا الهدف"،  دون أن يسمّي البقعة الجغرافية والأطراف المرتبطة بهذا الحدث المتوقّع.
وبين النعامي أنه على الرغم من أنّ جميع التقييمات التي قدمتها محافل التقدير الاستراتيجية في دولة الاحتلال قد أجمعت خلال العامين الماضيين على أنّ كلاً من إيران وحزب الله غير معنيين بتفجير الأوضاع في سورية ولبنان، إلا أنّ تحولاً طرأ على هذه التقديرات بعد بدء تنفيذ الموجة الجديدة من العقوبات الأميركية على طهران.
يُشار إلى أنَّ التغيرات السياسية المتلاحقة على قطاع غزَّة، والجبهة الشمالية لدولة الاحتلال، والتدخلات من قبل الوسطاء الدوليين والمصريين ترجح بصفقة سياسية في غزة تشمل تهدئة ومصالحة وفك حصار تدريجي وصفقة تبادل أسرى تلوح في الافق، فيما تبقى الجبهة الشمالية هي الاكثر سخونة خصوصا في ظل وعودات نتنياهو لناخبيه بالعمل على الحد من القدرات الايرانية في سوريا وتدمير قوة حزب الله في جنوب لبنان.