وكالات - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - بشكل خجول ومن مصادر غير معلنة، بدأت تتسرب الأخبار عن عودة العلاقة بين حركة حماس ودمشق. وهذا يجيء بعد قطيعة كانت إحدى نتائج الزلزال الذي ضرب الإقليم في عشريته السوداء وأحدث ما يكفي من إعادة الاصطفافات التي أخذ بعضها  شكلاً هزلياً اثر الانكشاف الذي عانى منه الجميع، ولشدة التناقضات التي كانت عصية على الفهم أحياناً لمراقبي السياسة في المنطقة.
اهتزت العلاقة بين الحركة الإسلامية وسورية بل تعرضت لضربة قاتلة إثر ما وصفته أوساط السياسة في دمشق أو كما قال لي صحافي سوري قبل عشر سنوات بـ «خيانة حركة حماس» للدولة التي وفرت لها ما لم توفره أي دولة في المنطقة، ومع أول اختبار للمصالح كانت الحركة تقفز من السفينة بل وتنقلب ضدها في لعبة أشبه بالمغامرة التي انتهت في غير صالح «حماس» لأن رياح الإقليم لم تأتِ بما اشتهته سفنها، ولا فهمها للسياسة كحركة أسيرة تقاليد الأيديولوجيا التي أحدثت ما يكفي من التسطيح لفهمها للحركة السياسية.
لم يطل الأمر مع حركة حماس لاكتشاف خسارة الرهان عندما تعرضت لزلزالها الخاص والذي تمثل بإسقاط حركة الإخوان المسلمين عن الحكم في القاهرة لتكتشف يُتمها، وأن الموقف من سورية وحزب الله كان مقامرة وليس فقط مغامرة ذهبت فيها بعيداً، حدَّ طالبت حزب الله في حزيران عام 2013 بالانسحاب من سورية وذلك عندما اندفعت خلف حركة الإخوان المسلمين التي أعلنت على لسان رئيسها الرئيس مرسي آنذاك بتشكيلها قوة للجهاد في سورية.
في آب 2013 أدركت إيران ضرورة التقاط «حماس» من جديد وهي ضعيفة ومجروحة وحاولت مصالحتها مع النظام السوري. وكانت المحاولات خلال إفطارين في رمضان ذلك العام، الأول تحت رعاية حزب الله والثاني في بيت السفير الإيراني في سورية الذي دعا ممثل حماس في بيروت علي بركة والسفير السوري في لبنان، لكن اللقاء لم ينجح في تحقيق مصافحة بين بركة وسفير سورية، بل كان الأمر محزناً نقلته جريدة السياسة قائلة «كانت كل الأنظار تتجه لممثل حماس، كانت مركباً من الإيحاءات التي تعكس ضمناً شماتة بالحركة بوصفها الابن الضال الذي يسعى للعودة للمحور الإيراني».
كيف ولماذا غامرت «حماس» بالموقف الحاد فجأة من النظام السوري والذي جعلها تحاول العودة ولسنوات؟ صحيح أن هناك تياراً في الحركة ظل وفياً لسورية رافضاً الانتقال من المحور الإيراني الداعم للمحور القطري الإخواني الذي يسعى لإسقاط النظام، لكن هذا التيار أصبح أكثر ضعفاً مع تطورات الإقليم وتحولاته وانكشاف الجميع، بعد أن تركت التجربة الكثيرين بهذا العري الأخلاقي وتناقض الموقف حد السخرية.
لم يكن موقف «حماس» الحركة الأيدلوجية ينطلق من اعتبارات سياسية أو مدنية تتعلق كما قالت بحقوق الشعب السوري في الحرية، أو لأن النظام مارس القتل وأوغل في دم الشعب. ففي التجربة المصغرة في حكم غزة وفي لحظات الصراع على السلطة بينها وبين حركة فتح لم تُظهر الحركة أدنى احترام لحقوق الإنسان. فلا أحد في العالم العربي يمكن أن ينتقد آخر يمارس القتل أو يصادر حقوق الإنسان، فتلك ستبدو نكتة لأن الإرث العربي الذي لا قيمة للإنسان في ظله لم يترك متسعاً لغير ذلك.
فقد اتخذت الحركة موقفاً له علاقة بالمصالح الأيديولوجية، فالمناخات حفزتها، إذ بدا أن  الاضطرب في الإقليم يصب في صالح حركة الإخوان المسلمين، وبدا أن العواصم تتساقط واحدة تلو الأخرى في يد الحركة، بداية بتونس وسقطت القاهرة وكانت دمشق على الطريق، وصولاً لإقامة حكم الإخوان في المنطقة العربيةـ  وهنا كان لا بد من اتخاذ الموقف من النظام السوري كنظام علماني كانت المصلحة معه مؤقتة، مقابل انجاز الحصول على دمشق لتنضم الى باقي العواصم.
عندما اتخذ الموقف كانت المعارضة السورية تتحضر على أبواب دمشق، وبدا أن النظام أخذ يترنح. وحين تسقط دمشق كما القاهرة ستجري انتخابات وحينها سيكون الإخوان المسلمون جاهزين باعتبارهم الأكثر تنظيماً والأكثر تحفزاً وجاهزية في كل الدول. ولو نجح هذا السيناريو حينها لكان موقف حماس في الجهة المخطط لها في منطقة بدا أن الإخوان يتسلمون عواصمها تباعاً، ولكن التاريخ لا يسير وفقاً للتمنيات بل وفقاً للوقائع وموازينها وامتداداتها الإقليمية والدولية، وكانت مصر تقطع الطريق على كل تلك الأحلام، وهنا تلقت حركة الإخوان الضربة الأشد، ناهيك عن امتدادات سورية التي تصل لموسكو والتي لم يقرأها قادة «حماس» وهي تقطع خطوطها مع سورية سواء بمساندة المعارضة ميدانياً أو بالاعلان من قبل رئيس الحركة من على منصة الأزهر بدعم المعارضة أو باعلان السيد خالد مشعل مساندة تركيا في احتلال أجزاء من سورية، ما شكّل مساساً شديداً بالمعنى القومي لصالح الأيديولوجيا، وهنا يكمن مقتل السياسة.
في مصر انتهى حلم الإخوان، وفي تونس لم يختلف الأمر كثيراً، وفي سورية التي ظلت متماسكة ومدعومة من محورها سقط الإخوان في مربع الاستعداد للتطبيع واختفوا عن الخارطة السياسية، وفي السودان انتهت التجربة، وتذهب تركيا لانفتاح متسرع مع إسرائيل يكاد يتجاوز زمن الحكومات العلمانية، والتجربة تتعثر في غزة ووسط إقليم شديد العداء للحركة الإسلامية التي كشفت عن عدائها للجميع ورغبتها بإسقاط جميع النظم والحلول مكانهم في كل الدول. وجدت الحركة نفسها وحيدة إلا من إيران التي شهدت تخلي حماس عن المحور في لحظة الحسم.
لكن مستجدات اللحظة من إعادة اصطفاف في المنطقة ومحاورها التي تتشكل ورغبة إيران بتصليب محورها والتهديدات على لبنان يدفعها مرة أخرى لإعادة المحاولة بعد تسع سنوات على فشلها على يد حزب الله. وها هو الحزب مرة أخرى يقود مصالحة بين الجانبين كانت دمشق قد رفضتها لسنوات طويلة، وطوت صفحة الحركة التي فتحت لها أذرعها قبل أن يحدث ما حدث، فهل ستعمل اصطفافات الإقليم على تليين موقف سورية من حماس؟ ربما ... وخصوصاً أن هناك معركة تلوح في الأفق مع لبنان، وأن النظام في سورية تمكن من البقاء واستعاد ثقته بنفسه، وتلك ربما تساعده على طيّ الصفحة....!!!!