طلال عوكل - النجاح الإخباري - لست أدري ما الذي كان مطلوباً من خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما الذي كان متوقعا منه ومن رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت. خطابان يمثلان قطبي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، اللذين لم تتبدل طبيعتهما، إذ إن كلا منهما على حاله. يمكن بطبيعة الحال أن تقبل مناخات وتقاليد السياسة، انتقادات خفيفة أو شديدة من قبل المعارضة، ولكن ليس إلى حد توجيه الاتهامات، والارتفاع بسقوف المطالبة، إلى درجة تتعارض مع شروط وعوامل الفعل المحيط سواء الذاتي أو الموضوعي.
خطاب الرئيس عباس يتسم بطابع تقليدي فيما يتعلق بالمظلمة الفلسطينية، وبطبيعة الاحتلال العنصري التوسعي وسياساته القمعية، ولكن لا يمكن أبداً تحميل تحذيره للمجتمع الدولي، على أنه مجرد كلام. الرئيس أعطى مهلة لإسرائيل والمجتمع الدولي تمتد لمدة عام، وإلّا فإن الفلسطينيين سيتوجهون لمحكمة العدل العليا، وسيعودون إلى قرار الأمم المتحدة رقم (181)، كأساس للحقوق والمطالب الفلسطينية.
هذه اللهجة ليست عبثية، فهو أراد أن يبلغ العالم وإسرائيل وحتى أبناء شعبه بأن الفلسطينيين لن يقبلوا استمرار الوضع القائم، وكأنه يحذر من أن الأوضاع تتجه نحو تغيير كبير وجذري، على الكل أن يتحضر له. الكلام، مجرد مقدمات، تتلمس العذر من الجميع، لأن إسرائيل تدفع الأوضاع دفعاً نحو إغلاق السبل كلها أمام إمكانية تحقيق دولة على أساس قرارات الأمم المتحدة، المتعلقة بالأراضي المحتلة العام 1967.
وهي رسالة تحفيز للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لاستثمار الوقت إن كانوا جادين لتدارك الأمور قبل الانفجار الكبير.
إذاً، في ضوء الأوضاع السائدة في الساحة الفلسطينية لم يكن متوقعا أن يكون خطاب الرئيس، في اتجاه القطع مع المرحلة بما في ذلك اتفاقية أوسلو. وكل ما يرتبط بنهج البحث عن الحقوق من خلال المفاوضات السياسية، إذاً، لماذا الدهشة، طالما أن لا شيء ينطوي على مفاجأة تغير المسار المعروف حتى الآن؟
على الجهة المقابلة، لم يكن متوقعاً أبداً، أن يكون خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية المعروف بمواقفه وسياساته المتطرفة، خطابا سلاميا أو مختلفا عن خطابات بنيامين نتنياهو باستثناء أن الأخير كان اكثر قدرة على مخاطبة مستمعيه من الموالين.
بينيت لم يذكر ولا مرة في خطابه، موضوع السلام، أو العلاقة مع الفلسطينيين لكنه أكمل الخطاب من خارج الإطار الرسمي، حين اعلن قبله وبعده انه لن يلتقي الرئيس عباس، ولن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، ولا يقبل بالمطلق أي مفاوضات على أساس رؤية الدولتين وقرارات الأمم المتحدة.
كل ما لدى بينيت، أفكار مكرورة عن سلفه نتنياهو، تؤكد عليها، الإدارة الأميركية، بشأن السلام الاقتصادي، وتحسين أوضاع الفلسطينيين وتقوية السلطة الفلسطينية.
تحسين الأوضاع المعيشية للسكان في الضفة وغزة، لا يفترض أن توقف حكومة المستوطنين سياساتها القمعية والعنصرية، وتسمين الاستيطان، وسياسة التطهير العرقي، ومصادرة الوجود الفلسطيني في القدس بشراً وحجراً وثقافة، وأماكن مقدسة.
إيليت شاكيد وزيرة الداخلية أوضحت الأمر، على نحو لا يقبل التأويل ولا يترك مجالا للمراهنة على تغيير في سياسة الحكومة الإسرائيلية على الأقل خلال السنوات الأربع القادمة.
ترفض شاكيد مجرد أن يتوقع احد قبولها بلقاء الرئيس عباس، وتقول، إن إسرائيل ستعمل على إدارة الصراع وليس حله وان هناك إجماعا بين أحزاب اليمين واليسار والوسط الذين يجلسون معها في الائتلاف الحاكم، على عدم معالجة أي قضية قد تسبب شرخا داخليا، بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
تعتبر شاكيد أن الوضع الحالي هو الأفضل للجميع، والمقصود كل الطبقة السياسية الإسرائيلية، بما يعني أن ادعاءات اليسار والوسط، بشأن التزامهم، أو رغبتهم في تحقيق تسوية على أساس رؤية الدولتين، هي ادعاءات كاذبة، ومجرد مساحيق لتجميل بشاعة المشهد الإسرائيلي.
تبرر شاكيد هذه الرؤية بالقول، إن إسرائيل تعلمت درسا لا يقدر بثمن من صراعاتها السابقة، بأن كل منطقة تنسحب منها إسرائيل تترك فرصة لظهور منظمة إرهابية، وان ذلك حدث في جنوب لبنان، وفي غزة التي تقول، إن «حماس» حولتها إلى «دولة إرهاب».
هل يمكن بعد ذلك، أن ينتظر الفلسطينيون لأربع سنوات، هي عمر الحكومة الموجودة في إسرائيل، وهل يمكن المراهنة على تغيير جذري، يؤدي إلى ظهور حكومة أو طبقة سياسية، تفهم أن الرؤية السياسية المسيطرة هي الوصفة الأكيدة لانهيار المشروع الصهيوني برمّته؟
الولايات المتحدة ترتكب خطأ استراتيجيا، حين تتواطأ مع الوضع القائم وتجاري السياسات الإسرائيلية العدمية، فإذا كانت مقتنعة بأن رؤية الدولتين هي الحل الأفضل لبقاء إسرائيل لأطول فترة ممكنة فإن عليها، أن تستخدم نفوذها لتحقيق ذلك. في الواقع فإن السياسة الأميركية تجد لنفسها الأعذار للاستمرار بسياسة دعم السلام الاقتصادي واقعياً، حين يقول مبعوثها هادي عمرو، إن واشنطن لن تطرح مبادرة سياسية، الآن، لأن الظروف لم تنضج بعد، ولأن التركيبة الحكومية في إسرائيل غير جاهزة. التركيبة الحكومية في إسرائيل ليست جاهزة ولا كانت من قبل ولن تكون جاهزة في المستقبل ولكن ذلك ليس مدعاة للخوف من خطر على الشعب الفلسطيني والقضية طالما أن الفلسطينيين على ارضهم، وحتى لو كانوا يعانون الأسوأ كما حالهم، اليوم.