عبير البرغوثي - النجاح الإخباري - ما زالت منظمة الصحة العالمية تحذر من التسارع المقلق لانتشار لحالات الاصابة بفيروس "كورونا"، على لسان مديرها العام تيدوروس ادهانوم جيبريسوس، الذي أكد على أهمية الحذر الشديد في التخفيف او رفع القيود المفروضة لكبح جماح انتشار الفيروس، فرغم وجود بعض المؤشرات على تباطؤ انتشاره في دول كانت تمثل البؤرة العالمية والاكثر خطورة كإيطاليا وألمانيا واسبانيا وفرنسا، الا ان الفيروس وجد طريقه للتوسع في دول أخرى كانت حتى الامس القريب بعيدة عن هجومه وخاصة في الدول الافريقية الاكثر فقراً والأقل قدرة على توفير متطلبات مجابهة انتشار هذا الداء.

ما زالت المعركة مستمرة والخطورة تكمن في ان أي تراخ الآن قد يعيدنا الى نقطة البداية، وحينها قد يكون الثمن أشد قسوة مما لو حافظت الدول والمؤسسات والأفراد على حالة الاستنفار حتى نهاية المواجهة بكل اطمئنان، فمع رغبتنا الشديدة في الوصول لليوم الجديد والعودة لحياة خالية من "كورونا"وتبعاتها، الا ان ذلك ليس قرارا فرديا، وليس ردة فعل للضجر او الملل او غير ذلك، فاحتماليات الاصابة والانتشار في اي لحظة ما زالت ضمن درجة الخطر الشديد، والمواجهة ما زالت مفتوحة وعلينا الحفاظ على روح المقاومة والاستمرارية حتى الاعلان الرسمي عن القضاء على هذا التهديد والعودة لحياة صحية أكثر من ذي قبل فالتعلم من التجربة ودروسها خطوة مهمة لمواجهة اي تهديد في قادم الايام.

كشفت المواجهة المستمرة منذ بداية العام لفيروس كورونا "المستجد"أو المستبد، العديد من التحديات والفرص الى جانب تلك الاضرار والخسائر التي يخلفها هذه التهديد الفيروسي على حياة المجتمعات الانسانية، والحياة الاقتصادية والبيئية وفي مختلف المجالات، وكشفت مدى الجاهزية للاستجابة للأزمة وقدرة الانتقال من الاجواء الاعتيادية الى أجواء تتطلب تغييرات جذرية على نمط الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية وممارسة الاعمال على مستوى الحكومات والمؤسسات والافراد بصفة عامة، وكان بلا شك تحديا وامتحانا استراتيجيا وضعت فيه الاجهزة الطبية على مستوى العالم في الدول المتقدمة قبل الدول النامية على محك حقيقي، محك الحياة او رفع الراية البيضاء وانتظار حكم السماء حينما لا تقوى حلول الارض على المواجهة.

قد لا يكون الخطر الفيروسي هو الأول الذي نواجهه كباقي دول العالم سواء في الزمن المعاصر او كما ورد في كتب التاريخ من أمراض وأوبئة فتكت بحياة الآلاف، فالطاعون والملاريا والحصبة والكوليرا نهشت الجسد البشري وأنهت حياة الملايين، لكن هذه الموجة الجديدة من التهديد الفيروسي التي يقودها "كوفيد -19"، تفتح أكثر من جبهة لحرب شرسة لا هوادة فيها، الاولى تتمثل بالخطر الذي تمثله الاصابة على حياة المصابين ودوائرهم الاجتماعية ودائرة الاختلاط التي يتحركون ضمنها، وامكانية اتساعها بمتواليات حسابية متصاعدة تفوق كل الخوارزميات اذا ما فقدت السيطرة عليها وكسر عوامل امتدادها، والجبهة الثانية تتمثل بما يخلقه هذا التهديد من ضغوط على المؤسسة الطبية والمؤسسات الصحية بشكل كبير وفي زمن قياسي يفوق قدرة تلك المؤسسات على استيعاب الصدمة، وتوفير الاستجابة الطبية المتكاملة من أجهزة ومعدات وطواقم طبية مؤهلة وجاهزة لمواجهة الفيروس خاصة في ظل ارتفاع أعداد المصابين وانتشاره الجغرافي، وهذا بلا شك كان العلامة الفارقة في قراءتنا لسرعة تفشي الاصابات مقارنة بالردود الطبية في عديد الدول وخاصة المتقدمة، الامر الذي باتت فيه المؤسسات الطبية عاجزة عن توفير موطئ قدم وليس سريرا فقط لمصاب ينتظر رؤية الطبيب وهو يصارع الموت في لحظات العمر الاخيرة، فقضى لحظاته منتظراً في الشارع او في الممر او قرب مدخل ذلك المستشفى او تلك العيادة.

لحظات ومناظر رهيبة تعكس صعوبة الاعلان عن الجاهزية الغائبة في لحظة مداهمة الخطر، لان جاهزية اليوم تفترض تحضيرات منذ زمن لهذه اللحظة، وتتطلب استثمارات متنوعة تعطي القطاع الصحي الاولوية لتكون عند حسن الظن وعند التوقعات في اللحظات الصعبة.

 

هذا من المنظور الاستراتيجي للوقفة أمام التحديات التي تواجهها الدول في هذه المحنة والازمة العالمية الخانقة لكل مظاهر الحياة، لكن على المدى العاجل ورد الفعل الايجابي يبقى السؤال: ما العمل؟ ماذا يمكننا ان نفعل كمبادرات من شأنها التكامل مع الجهد الحكومي والرسمي المتواصل لمواجهة الازمة على المستوى المحلي؟

سؤال مهم وينبغي ان يشغل بالنا بكافة شرائح مجتمعنا الفلسطيني، لان المعركة لمواجهة (كوفيد – 19) وأية فيروسات أو موجات من هذا العدو المستبد، تشكل معركة لكل واحد منا بغض النظر عن موقعه او مجال عمله، وهي مناسبة لإطلاق المبادرات لتعظيم نتائج السياسات والاجراءات التي تم وضعها كخطة وطنية للتصدي لهذا العدو والحفاظ على حياة كافة ابناء شعبنا والخروج منتصرين من هذه المواجهة.

تكشف المبادرات المجتمعية والتجارب الناجحة للصمود الطبي في وجه الآفة أن النجاح يعتمد على الانسان، ورغم كونه المستهدف بالإصابة من قبل هذا الفيروس، الا انه درع الدفاع والتصدي المتين له ايضا، الوعي والالتزام  بالإجراءات الاحترازية واتخاذ الاحتياطات بروح ايجابية تشكل صمام الامان، والابتعاد عن مظاهر الاستهتار او افتراض المناعة دون وعي تشكل قوة المواجهة اليومية لتحقيق الخطوة المهمة لكسر التوسع الوحشي للفيروس وحماية الدائرة الشخصية والاجتماعية وتحصينها بوعي ومعرفة للفيروس وطرق انتقاله وطرق محاصرته بهدف الاجهاز عليه.

الخطوة الاكثر أهمية تتمثل بموضوع التوعية بأهمية العلاج المنزلي المستند الى وعي مجتمعي بإمكانية استثمار منازلنا وتحويل تجارب الحجر المنزلي الى خطوات طبية تشكل حلقة من حلقات العلاج، توعية منزلية للأسر والافراد حول كيفية القيام بخطوات علاج وفق وصفات طبية صادرة عن الجهات الطبية المختصة من اللحظة الاولى لملاحظة علامات الاصابة بهذا الفيروس، وهكذا مبادرة تعني توفير توجيهات حول الرعاية الاولية والاجراءات التي يمكن اتخاذها تجاه المشتبه بإصابته او المؤكدة اصابته خاصة إذا كانت أعراض الاصابة ليست شديدة ويمكن السيطرة عليها، وهكذا يمكن لتطوير الوعي المجتمعي بإمكانية بداية العلاج من المنزل أن يساهم في تحقيق نتيجتين مهمتين: الاولى مساعدة المصاب من اللحظة الاولى وتجنب الثقافة المغلوطة التي تتخفى خلف المكابرة او الخوف من وصمة الاصابة بالفيروس، وبالتالي السكوت حتى تصعب الحالة ويصبح المصاب في حالات حرجة قد تؤثر على حياته والقدرة على مساعدته، لكن المبادرة المنزلية الواعية ستساهم في حماية أرواح الناس خاصة في الظروف التي قد تزداد فيها حالات الاصابة او تكون هناك صعوبات ميدانية في نقل المصاب الى مكان الرعاية الطبية، والنتيجة الايجابية الثانية تتمثل في تخفيف الضغط عن مراكز الرعاية الطبية واتاحة الفرصة لها لاستيعاب الحالات الحرجة في ظل الامكانات المتاحة، وتعطي الطواقم الطبية الفرصة الكاملة للقيام بدورها بعيداً عن الضغوط، الامر الذي يسمح لهم بتقديم خدماتها والقيام بدورها بكل كفاءة.

العلاج المنزلي ليس بديلاً اوتوماتيكياً عن المراكز الطبية، لكنه تجاوب ايجابي مع ظروف الطوارئ بقدر الامكان، انها فرصة لتطوير رزمة من التعليمات والتوجيهات الطبية لكيفية التعامل والترويج لها اعلاميا بكل مسؤولية من خلال كافة وسائلنا الاعلامية واستثمار قنوات التواصل الاجتماعي لتعزيز الوعي والمعرفة وكيفية الصمود طبياً في ظروف العزل ومنع التنقل، هي فرصة للتفكير خارج الصندوق وخارج الطرق التقليدية، لكن ضمن أسس تحافظ على الجوانب العلمية والمحاذير الطبية، فالمقصود ليس تحويل الناس الى أطباء، لكن هناك العديد من الاجراءات التي يمكن عملها للمصاب في البيت، ويمكن ان تكون ذات كفاءة وأثر ايجابي على صحة المصاب، فأحياناً الفهم الخاطئ لطرق انتقال الفيروس يساوي عدم معرفتنا بطرق الانتقال ما يعطي الفيروس الفرصة للانتشار والتوسع بكل سهولة، وأحيانا عدم القيام بخطوات ممكن عملها دون الذهاب للمركز الطبي، يؤدي الى تفاقم حالة المصاب، والوقت في هذه الحالات ليس من ذهب وانما الوقت هو الحياة.

كما يقال التحديات هي فرص لمن يريد الابداع والابتكار، وهي عذر لمن يريد طريق الاستسلام، لكن رئيسنا وحكومتنا ومؤسساتنا والمواطن أثبتوا أنهم أعداء للاستسلام، وأعداء للهزيمة، وأٌقرت تجربتنا خلال الايام والأسابيع الماضية دروسًا من الحكمة والمبادرات المجتمعية التي علينا البناء عليها، وتطويرها ومساندتها، فالقيم المجتمعية الايجابية والتعاضد والتساند والتمكين الطبي من خلال التوعية والمشاركة بما يمكن من خطوات واجراءات تشكل في معظمها اطار مناسباً لتعزيز صمودنا الطبي كمجتمع، والاسرة هي حجر الاساس، فلنتكاتف جميعا لتمكين هذه الاسر من المعرفة الطبية الصحيحة وتزويدها بكافة التعليمات التي من شأنها زيادة حصانتنا وتقوية دروعنا في مواجهة هذا العدو، وحتماً اننا لمنتصرون.

 

نقلا عن الحياة