حنان باكير - النجاح الإخباري - رحيل يسحب رحيلا، الى محطات لا تأخذ الى المكان الذي ينشده الفلسطيني. قبل أيام اتصل بي صديق يعمل في بلد خليجي، طالبا استشارتي، حول موضوع هجرته الى النرويج، أو اي بلد أوروبي. فقد صار الرجل متقاعدا، ما يعني أن لا إقامة له في تلك البلد، رغم قضائه طيلة أيام شبابه هناك، حيث تزوج وأنجب عائلة، ولديه رأسمال كبير. ولما كان الرجل من فلسطينيي لبنان ومن حملة الوثيقة اللبنانية، فهو لن يستطيع العودة اليه، إذ لا يسمح له بالعمل، ولا يسمح له بفتح شركة، رغم ثرائه. قام الرجل بالاتصال بعدة سفارات أوروبية شارحا وضعه، ومتعهدا بعدم الحصول على معونات من الدولة، وسيقوم باستثمار ماله في مشروع تجاري، وتم رفض طلبه، ولم يُمنح تأشيرة سياحية، ليتسنى له دراسة الوضع عن كثب، بسبب كونه متقاعدا، ولن يستطيع الحصول على شهادة من رب العمل، وهي أحد شروط إعطائه التأشيرة السياحية.

تزامنت هذه الاستشارة، مع خبر تناقلته الوسائل الإعلامية، ومشاهد من تظاهرة فلسطينية، أمام السفارة الكندية، في بيروت، مطالبين بالهجرة، والحياة كسائر البشر.. كما تزامنت هذه التحركات، مع إفشال ورشة عمل المنامة، وقرب إعلان الشق السياسي لـ "صفعة القرن".. وتهويد متسارع لمدينة القدس، بعد إعلانها عاصمة يهودية أبدية.. ومع صدور قرار العمل اللبناني، الذي بات معروفا.

 ويحكى عن تظاهرة مشابهة ستتوجه قريبا الى السفارة الأسترالية، لفتح باب الهجرة. هو اليأس في أوضح تجلياته، تضييق الحبل على رقبة الفلسطيني، حتى الرمق الأخير، ودفعه للهجرة وهجر المخيمات التي كانت رمزا لوجود قضية لاجئين لهم حق العودة، بإقرار من الأمم المتحدة.. وحينئذ يُقال: الفلسطيني تخلى عن حقه في العودة، مقابل عيش بشريّ وإنساني في المقلب الآخر من الكرة الأرضية!

لا يجادل أحد ببؤس ومرارة ظروف عيش الفلسطيني في مخيمات وأماكن تسمى مجازا بيوتا. ومن حق الفلسطيني أن يحيا حياة كريمة، الى حين عودته الأبدية الى موطنه التاريخي. فقد كان المخطط، أن أحداث نكبة الـ 48، ومجازرها، ستؤدي الى تشريد الفلسطيني من دياره، على أن تتولى حياة البؤس والتضييق والخنق في المخيمات، قتل الروح المعنوية للاجئ، فتكتمل عملية التنكيل وإلهاء الفلسطيني عن قضيته، في تفاصيل حياة تلهث خلف رغيف الخبز وحبة الدواء. تنكيل جسدي ومعنوي..

يُفهم من حق الفلسطيني في ممارسة حياته بكرامة، هو تهجيره من أماكن اعتادها وصار مكونا رئيسيا من مكوناتها، ومن داعمي اقتصادها، بينما المقصود هو إعطاؤه أبسط حقوقه الإنسانية، في العمل والتملك.. حيث ان الفلسطيني لم يشكل عبئا ماديا على الدولة اللبنانية، إنما كان رافعة للاقتصاد اللبناني، ومساهما في نهضة لبنان الحضارية. تلك الحقوق الإنسانية، التي تعزز تمسك الفلسطيني بحقه في العودة.

وتبقى المسؤولية الكبرى في التصدي لتصفية القضية، تقع على عاتق الفلسطينيين، بإنجاز الوحدة الفلسطينية، وتوجيه بوصلة واحدة نحو حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية، والتصدي لتهويد القدس.. وعدم الإنجرار الى ايديولوجيات دينية، أو ارتباطات خارجية. عرفت الساحة الفلسطينية، انقسامات واشتباكات مسلحة، لكن الوضع التصفوي الحالي لم يعد يسمح بذلك..

*في روايتي "أجفان عكا"، تطرقت الى هذا الموضوع بوجع، وحين قررت قتل "كمال" ذلك الوطني النقي والنظيف، بكيت كثيرا لحكمي الجائر عليه، لكني أردت ابراز فظاعة الحدث وبشاعته، بهدف تقويم السلوكيات. ولم أكن أتوقع حدوث فظاعات أكثر بشاعة، ينتجها الانقسام.

عيب وعار مواصلة الانقسام، والانشغال عن القضية الوطنية، بقضايا جهل وتخلف، وأن المرأة لا تصلح أن تجلس على منصة القضاء.. أو أن تعرّف المرأة باسم زوجة فلان! وبلا خجل تقام همروجة لتوزيع خمسين دولارا، على جرحى نزفوا الدماء، في اعتصامات غزة الصابرة صبر الأنبياء.. التصفية قادمة بسرعة ضوئية ومن كل الاتجاهات، فلنكن أسرع منها في توحيد الصف الفلسطيني.. والمخيم لن يكون وحده رمزا للعودة، فكل الدروب تؤدي الى فلسطين..

 

الحياة الجديدة