عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - أصدر الرئيس "ترامب" مرسوماً بوضع شركة "هاواوي" الصينية في القائمة السوداء، بوصفها خطراً على الأمن القومي الأميركي.. وهذا المرسوم الذي شكل صدمة للعاملين في عالم التكنولوجيا والاتصالات، لم يكن معزولا عن الحرب الطاحنة التي تدور بين الولايات المتحدة والصين.
بموجب هذا المرسوم أعلنت كبرى الشركات الأميركية، ومنها فيسبوك وإنتل وميكروسوفت وغوغل، وقف تعاملها مع "هاواوي"،.. ومنعها من استخدام البرمجيات الأميركية، وتعطيل تطبيقاتها (إنستغرام، واتساب..). فإلى أي مدى ستؤثر تلك الإجراءات على الطرفين؟
الصين دولة صناعية كبرى، وعملاق اقتصادي، يصغر أمامها أقرب منافسيها، وليس من السهل تحطيمها، أو تجاوزها، أو استبدال منتجاتها وأسواقها، وهي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة وأوروبا، ويبلغ حجم ناتجها المحلي نحو 12 تريليون دولار (مقابل نحو 19 تريليون للولايات المتحدة)، وتمتلك أكبر احتياطي من النقد الأجنبي في العالم، بأكثر من 3 تريليونات دولار، واحتياطي من الذهب يبلغ 78 مليار دولار، وما زالت تحقق نمواً متسارعاً منذ سنوات، ما يجعلها أبرز الدول المؤثرة في القرار الاقتصادي العالمي. وقد تصاعد نفوذها وتأثيرها الاقتصادي مع تنامي قوتها التكنولوجية، على نحو يضاهي وربما يفوق مثيلاتها، ومع تعاظم حجم وتأثير شركاتها الكبرى، وافتتاحها أضخم شبكة طرق برية تقربها من الموانئ الدولية، تصل إلى قلب أوروبا، وهي المبادرة التي تلقى اعتراضا كبيرا من أميركا، وتصفها بمبادرة الغرق والجشع الصينية.
هذه المعطيات تشكل مصدر قلق وذعر لأميركا، التي ما زالت تعتبر نفسها سيدة العالم، ولا تقبل شريكا ولا منافسا لها في هيمنتها على العالم. لذا بدأت تشن حربا تجارية ضد الصين، هدفها الرئيس ليس حماية اقتصادها؛ بقدر ما هو عرقلة نمو الاقتصاد الصيني، وهذه الحرب أخذت تتصاعد بشكل خطير مع مجيء ترامب، ولكن، من المستبعد أن تصل إلى درجة المواجهة العسكرية، وذلك بسبب الظروف الداخلية لدى البلدين، فالصين تتجنب أي حرب عسكرية، لأن عصب سياساتها الحالية يتطلب الحفاظ على الاستقرار الداخلي.. والأمر نفسه ينطبق على الجانب الأميركي. 
والحرب التجارية تقوم بين دولتين أو أكثر، بهدف تحقيق منافع اقتصادية، وحماية مصالح كبار المستثمرين، ولفرض الهيمنة على الأسواق (الداخلية والخارجية)، وحماية الصناعات الوطنية، من خلال فرض رسوم جمركية، أو رفع معدلات التصدير، أو تخفيض قيمة العملة الوطنية.. وإذا كانت الحرب التجارية بين دول كبرى فإنها تؤثر على الاقتصاد العالمي، وتثير مخاوف المستثمرين في كل مكان، وتؤدي إلى تراجع مؤشرات أسواق المال والبورصات في مختلف العواصم، كما تؤثر على معدلات النمو والبطالة وأرباح الشركات في الاقتصاديات المرتبطة بالدول المتصارعة تجارياً، والأهم أنها تؤثر على جمهور المستهلكين.
تشن أميركا حربها على الصين بادعائها حماية حقوق الملكيّة الفكريّة، وأيضا باتهامها انتهاك حقوق الإنسان، واضطهاد الأقليات (المسلمون الإيغور).. وفي الحقيقة، تتضارب المصالح الأميركية مع الصينية في عدد من القضايا، منها مبيعات الصين من الأسلحة غير التقليدية، واستثمارات الصين الضخمة في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وامتلاك الصين لتكنولوجيا متطورة للجيلين الخامس والسادس من الإنترنت؛ فالصراع بين العملاقين الرقمييْن في مجال الإنترنت تكنولوجي/ تجاري/ أمني في آن معاً؛ ينطوي على رؤيتين مختلفتين كلياً للإنترنت ولطريقة إدارة الشبكة العالمية. كلّ نموذج يطمح إلى فرض رؤيته على الآخر، وتثبيت نفسه سيداً على الشبكة في العقود المقبلة.
بدأت الحرب فعلياً بفرض ترامب رسوماً جمركية بقيمة 200 مليار دولار على الواردات الصينية، بهدف إصلاح الميزان التجاري بين البلدين، الذي يميل لصالح بكين. وردت الصين بفرض رسوم على 5000 منتج أميركي.. ويقترح خبراء صينيون أن تتخذ حكومتهم إجراءات لإضعاف عملتها. وبما أنّ الصين هي الاقتصاد التجاريّ الأكبر في العالم، وأكبر مشترٍ للنفط، اقترحوا أن تستخدم تأثيرها بدفع عملتها الخاصة في الأسواق العالمية لتقليص هيمنة الدولار الأميركي، وهذا يضر واشنطن بشكل كبير.
وهذه الحرب ستضر الدولتين، فكلاهما متعادلان تقريباً كطرفين في الحرب التجارية، والسؤال من يصبر ويتحمل أكثر؟ 
في الآونة الأخيرة أخذت حياة معظم الأميركيين ترتبط بأشكال عديدة بالتجارة الصينيّة الأميركية، ومع تصاعد التوتر، وتوسّع الحرب التجاريّة سيتأثر جميع الأميركيين؛ فمثلا كبرى شركات صناعة الأحذية الرياضية (أديداس، نايك) حذرت ترامب من تأثيرات الحرب السلبية على المستهلك، وطالبته بإنهائها. وكذلك فعلت الغرفة التجارية الأميركية في الصين، التي تضم 900 شركة أميركية تعمل في الصين، من بينها بوينغ، وشركة فايزر للأدوية، وعملاق المشروبات كوكاكولا، إضافة إلى شركات السيارات.
ويقول اقتصاديون من جامعتي برينستون وكولومبيا، إن الرسوم التي فرضت على شريحة كبيرة من الواردات، تكلف الشركات الأميركية والمستهلكين 3 مليارات دولار شهريا، في صورة تكاليف ضريبية، إضافة إلى مليار و400 مليون دولار خسائر بسبب انخفاض الطلب. وتوصل بحث آخر إلى أن المستهلكين الأميركيين والشركات هم من يدفعون معظم تكاليف الرسوم الجمركية، أما الضحية الكبرى فهم المزارعون، والعمال. كما أن الكثير من الشركات الأميركيّة سوف تخسر السوق الصينيّة، 40% منها نقلت أو تفكر في نقل إنتاجها خارج الصين بسبب ارتفاع الرسوم، وهذه الشركات ستتعرض لهزات كبيرة، لأن تغيير وجهة الاستيراد والتصدير يستغرق وقتا طويلا، ويكلف الكثير.
وفي العام 2018، ارتفع العجز التجاري الأميركي 12%، ليبلغ نحو 621 مليار دولار منها 323 مليار دولار مع الصين فقط، وتجاوز الدين العام الأميركي حدود 22 تريليون دولار.
حتى لو تسببت الحرب التجارية ببعض الألم للصين، لكنّها لن ترضخ للابتزاز الأميركي، وستجبرها الحرب على تسريع تحولها الاقتصادي. وما يفيدها في هذه المعركة، طبيعة المجتمع الصيني، وتاريخ طويل من التربية الحزبية النمطية، التي تجعل الشعب بأكمله يصطف خلف قيادته، وتضعِف إلى حد كبير من قدرة أي قوة معارضة في المستقبل.

فرغم الحرب استمر نمو عدد الشركات المسجلة في بكين ليصل إلى نحو 1.65 مليون شركة، برأس مال يبلغ نحو 5.7 تريليون دولار، وخلال عام 2018 تم تسجيل نحو 180 ألف شركة جديدة، بمتوسط يومي 790 شركة، كما استبدلت الصين نحو 5% من الواردات الأميركية بمنتجات محلية.
ترامب كارثة على أميركا، وعلى العالم.

الأيام