حمدي فراج - النجاح الإخباري - أثارت قضية إعادة رفات الجندي الاسرائيلي ، زخاريا باوميل ، بعد سبعة وثلاثين سنة ، في أوساط العرب موجة الحنق المعهودة ، مشوبة بإشادات بهذه الدولة التي لا تنسى أسراها أحياء وأموات حتى بعد مضي كل هذا الوقت الذي يفوق عمرالجندي نفسه ، وفي نفس الوقت إهالة كومات من اللعنات والشتائم على الذات وقصور النظام العربي في إهمال البحث عن مقاتليه الاسرى أو القتلى ، متناسين على سبيل المثال لا الحصر أن الغالبية العظمى من قتلى هذه الانظمة إنما يكونوا قد سقطوا بيد بعضهم بعضا وليس بيد عدوهم التقليدي الذي ما يزال يغتصب أرضهم ، وتكاد لا تخلو منطقة عربية في حقبة زمنية محددة ، لم تشهد نزالا وحربا واقتتالا ثم تقاربا وتسامحا وسلاما . فأيهما أهم ، أن لا ننسى قتلانا ، أم أن نتوقف عن قتل بعضنا بعضا ، حتى يكاد يصبح الشعار الاسرائيلي "عرب يقتلون عربا" مأثورا يدرس في المناهج ، وها هم اليوم يستعدون لتوسيع الدائرة لتصبح إسلاميون يقتلون إسلاميين .

لم تنجح اسرائيل بكل أجهزتها الامنية والتجسسية والتخريبية على مدار سبعة وثلاثين سنة (أكثر من نصف عمرها) في إرجاع رفات جنودها ، باستثناء واحد منهم برتبة "رقيب جندي" ، لكن زميليه الآخرين "يهودا كاتز وتسفي فيلدمان" بقيا رهن الاحتجاز العربي السوري ، ولا أحد يعرف كم من الوقت سيظلا هناك ، وذكرت صحيفة الجيروزالم البوست "في تشرين ثاني 1993، تسلمّ إسحاق رابين الصفيحة المعدنيّة التي تحمل بيانات باوميل، التي شكلت ، بالإضافة إلى معلومات جزئية قدمها رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات مصدراً حقيقياً وباباً للتقدم نحو تحديد مكان دفن الجنود المفقودين" .

كما أنها لم تنجح في استعادة رون اراد ، برتبة طيار ، الذي مضى على احتجازه أكثر مما مضى على الجندي باوميل ، لكن الاخطر هو الجاسوس ايلي كوهين الذي اعتقل حيا وأعدم في ساحة دمشق قبل حوالي خمسة وخمسين سنة ، وتبجح نتنياهو قبل سنة أنه استعاد ساعة يده ، وأقام حولها احتفالات وأفراحا وتبادل التهاني ، حتى اكتشفت ابنته انها "الساعة" بيعت في احدى متاحف اوروبا وتم شراءها من هناك .

لقد كشف بوتين بما يمثل اليوم في سوريا والمنطقة العربية عموما ، وفي فنزويلا ، والمنطقة اللاتينية عموما ، وبالتالي في العالم قاطبة ، جزءا من صفقة اعادة الرفات انها تمت بموافقة سوريا ، موضحا جانب الصفقة الانساني "كي تستطيع عائلته – وبالادق من تبقى من عائلته – وضع الزهور على قبره" ، لكنه لم يكشف عن بقية بنود الصفقة ، التي على نتنياهو ان يقدمها بالمقابل ، فبوتين ليس قسيسا في كنيسة ، ولا باحثا في الرعاية الاجتماعية ، وتكاد تجمع وسائل الاعلام الاسرائيلية على ماهية الثمن الذي سيدفع بالمقابل ، لكن هذا سيستحق بعد الانتخابات ، أي بعد خداع الشعب.

القدس