سامر سلامة - النجاح الإخباري - «الخبز مع الكرامة «عنوان لكتاب من تأليف الدكتور يوسف عبد الله صائغ صدر في بيروت العام 1961 عن دار الطليعة للطباعة والنشر. جاء الكتاب في ظروف سياسية واقتصادية غاية في الحساسية وخاصة تلك المتعلقة بالوحدة العربية من جهة وتأميم المصالح الأجنبية من جهة أخرى والتي قادها الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر. فبعد فشل المشروع العربي الوحدوي بعد انفصال سورية عن مصر وفشل عملية التأميم الكامل للمصالح الأجنبية في الوطن العربي أدى إلى ظهور أنظمة تمارس شكلا من أشكال القمع على مواطنيها وممارسة سياسات اقتصادية لم تكن ناجعة لإحداث النمو الاقتصادي المأمول، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة والفقر في المنطقة العربية من جهة واستمرار الأنظمة القمعية من جهة أخرى.

ذه الظروف دفعت الدكتور صائغ لاستعراض مجموعة من المقترحات الاقتصادية التي من شأنها إحداث التنمية الاقتصادية في العالم العربي جنبا إلى جنب مع تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع. ومن هنا فإنني أرى أن هناك تشابها كبيرا بين الظروف التي سادت عند كتابة الكتاب المذكور والظروف التي تعيشها فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص. فالظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها قطاع غزة حالت دون تأمين الحد الأدنى من احتياجات الناس المعيشية من جهة وتأمين الكرامة والحرية من ناحية أخرى، الأمر الذي دفع بسكان القطاع للمطالبة بحياة كريمة بعيدا عن الشعارات الرنانة التي لم تجلب للقطاع سوى الفقر وفقدان الكرامة والحرية. فالأحداث الأخيرة في القطاع ما هي إلا تنفيس لحالة الاحتقان التي يعيشها سكان القطاع ليس بسبب غياب الخبز (الانتعاش الاقتصادي) وإنما لغياب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية الذي سببها الحصار وإصرار حكام القطاع على تفردهم بحكم القطاع وإحكامهم على مصادر الدخل ومنع أي محاولة لإنعاش القطاع اقتصاديا وإعطائه الكرامة والحرية.

إن الأحداث الأخيرة في غزة وبعد خروج المئات إلى الشوارع للمطالبة بالخبز والكرامة لم تأت بفعل فاعل أو بتخطيط من رام الله كما يدعي حكام القطاع بل جاءت كنتيجة طبيعية لغياب الخبز والكرامة والحرية على حد سواء. وإن رفع المتظاهرين لشعار (# بدنا نعيش) لم يكن شعارا لطلب الخبز فقط وإنما كان شعارا ولد من رحم المعانات والإحساس بالذل والمهانة. كيف لا والجميع يشاهد طوابير أهلنا في غزة تجاهد للوصول إلى المعونات القطرية التي لا تزيد على 100 دولار للعائلة الواحدة ولمرة واحدة فقط!. فقد تحول أهلنا في قطاع غزة إلى متسولين بعد أن كانت غزة أفضل مكان للعيش في فلسطين على مر التاريخ.  

فبعد الأحداث الأخيرة في القطاع وفي ظل استمرار المؤامرة على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية المشروعة صدرت بعض التسريبات من خلال صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، عن مسؤول مصري رفيع المستوى قوله، «إن إخراج كافة الأسلحة الثقيلة من غزة، وبقاء الأسلحة الخفيفة تحت المراقبة مقابل رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، وتقديم رزمة واسعة من المساعدات الدولية لتحسين الأوضاع في القطاع، هي المرحلة الثانية من الاتفاق مع قطاع غزة». وتتحدث تقارير إسرائيلية وعربية باستمرار عن مفاوضات بين إسرائيل و»حماس»، عبر مصر حول اتفاق للتوصل إلى اتفاق تهدئة بين الطرفين. ووفق صحيفة «إسرائيل اليوم»، وفق الخطة المقترحة، «فإن كل القضايا الداخلية في غزة ستبقى تحت سلطة (حماس) أو أي سلطة فلسطينية أخرى مشكلة من الفصائل الفلسطينية في غزة، كما تبقى الأجهزة الأمنية الفاعلة في غزة أيضا مسؤولة عن الأمن الداخلي في القطاع، فيما تبقى الأسلحة الخفيفة فقط تحت سلطة هذه القوى الأمنية على أن تخضع تحت مراقبة شديدة جدا».
إنني أعتقد أن استمرار المقاومة الفلسطينية على اختلاف توجهاتها وخلفياتها التنظيمية والسياسية وفي ظل الظروف الدولية الحالية تعتبر إنجازا عظيما يجب حمايته وقطف ثماره، وأن الحلول المطروحة ما هي إلا محاولات لإضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية وتأبيد الانقسام الداخلي الفلسطيني نحو تنفيذ المختطات المشبوهة بإقامة دويلة فلسطينية في غزة على حساب تحرير القدس والضفة الغربية. كما أن الحلول الاقتصادية المطروحة ما هي إلا محاولات لتوفير الخبز على حساب الكرامة والحرية والاستقلال الوطني. ومن هنا فإن أي حل يطرح بعيدا عن إنهاء الانقسام وتبعاته وإعادة الشرعية إلى غزه وإجراء الانتخابات العامة لتجديد الشرعيات تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ما هي إلا محاولات يائسة لن تجلب سوى الخيبة والهزيمة لأصحابها. فقضية غزة ليست قضية خبز أو مساعدات إنسانية أو حتى انتعاش اقتصادي، فقضية غزه هي قضية وطنية جوهرية ترتبط بالكرامة والحرية والاستقلال والعودة إلى حضن الوطن قبل أي شيء آخر. فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بالكرامة والحرية والعدالة والوحدة الوطنية.   


 الايام