موفق ملكاوي - النجاح الإخباري - يميل المختصون إلى ترجيح كفة البريطانيين على الأميركيين في ما يكتب للطفل من أدب وقصص، وهم في ذلك ينظرون إلى مفاصل مهمة في محتوى تلك القصص، وتأثيراتها المتشعبة في التكوين العقلي للمتلقي، وإمكانياتها في إطلاق الخيال والتفكير خارج حدود القضبان الإنسانية.

في القول إن البريطانيين يبرعون أكثر من الأميركيين في سرد قصص الأطفال، يستند الدارسون إلى تراث البلدين، وإلى أكثر القصص شيوعا لديها؛ هاري بوتر البريطاني في مقابل هكلبيري فين الأميركي، وإلى البنية الأساسية المختلفة في كلا النمطين، ففي الوقت الذي تتأسس فيه الحكاية البريطانية على الخرافة والأسطورة لتوسيع مدارك الطفل وتحفيز تفكيره، يلجأ الأميركيون إلى الواقع وأخلاقياته.

الكاتبة المتخصصة في دراسات أدب الطفل، الأميركية كولين غيلارد، تؤكد أن بريطانيا "هي القوة التي لا منازع لها في الكتب الأكثر مبيعا للأطفال"، موردة قائمة طويلة من القصص المؤثرة، وعرفها الأطفال والكبار في جميع بلدان العالم، مثل: "الريح في الصفصاف"، "أليس في بلاد العجائب"، "ويني ذي بو"، "بيتر بان"، "الهوبيت"، "جيمس والعملاق"، "هاري بوتر"، "الأسد والساحرة وخزانة الملابس"، وهي جميعها قصص تنحو باتجاه الخيال.

وتستعرض غيلارد، كذلك، في دراستها التي نشرتها في "الأتلانتك"، القصص الأميركية من خلال: "البيت الصغير في الغابة الكبيرة"، "نداء البرية"، "شارلوت ويب"، "الحيوان الصغير"، "نساء صغيرات"، و"مغامرات توم سوير"، لافتة إلى أنها أقل اتجاها نحو السحر والخيال، وتميل إلى إبراز الصور الواقعية في الحياة اليومية، بحكايات مزينة بالرسائل الأخلاقية عن العالم.

في الأدب البريطاني، تأتي البيئة الخصبة للجزيرة البريطانية بطلة متوجة في القصص المختلفة، بجميع معتقداتها ومأثوراتها، سواء ما كان منها وثنيا أو في سياق المسيحية، لتمنح البطولة للمكان والمجاميع، بينما على العكس تماما تأتي القصص الأميركية التي تؤمن بالفردانية، والبطولة الشخصية، ما يحقق مقولات الوعد الأميركي المتعارف عليها تاريخيا.

في أثناء ذلك، وبينما نحن نقرأ الفروقات بين الأدبين، لا بد أن يخطر ببالنا محاولة تصنيف أدب الطفل العربي، ومعرفة موقعه بين أهم أدبين للطفل في العالم!

تبدو المهمة عسيرة، فأدب الطفل العربي الذي تأسس في بداياته على حكايات نثرية وتراويد شعرية ومسجوعة غنتها الأمهات لأطفالهن، وعلى حكايات الغول والعنقاء والسندباد وكليلة ودمنة والشاطر حسن، وغيرها، لم يسر بشكل موضوعي في تطوره، خصوصا مع بدايات ظهوره الحديث في أواخر القرن التاسع عشر عند الشاعر أحمد شوقي الذي حاول أن يستفيد من حكايات لافونتين، ورفاعة الطهطاوي الذي استند إلى البعد التربوي في هذا الأدب، وصولا إلى الزمن الراهن الذي تشعبت فيه أغراض هذا الأدب، وتعدد مدارسه ومناهجه.

لكن، ومع كل هذا الانتشار لأدب الطفل العربي اليوم، فإنه يبقى من الصعب وضع تصور خاص به أو "تنميطه" ضمن تصور يأخذ سمات متشابهة من الجدة، فنحن لا نستطيع أن نقول إنه أدب ينحو باتجاه الخيال والسحر والأسطورة، ولا إنه أدب واقعي يقدس النزعات الفردية والبطولات الشخصية. لكننا، بالتأكيد، وهذا الأهم، نستطيع القول إنه أدب لا يتمتع بأي خصوصية تفرضها البيئة أو السمات الشخصية أو أنماط الإنتاج، فهو غائب عن أي خصوصية يمكن أن تمنحه هوية خاصة.