رامي مهداوي - النجاح الإخباري -
لأول مرة منذ أن لامس قلمي الأوراق أعجز عن الكتابة!! قد يكون سبب ذلك حالة الشلل التي أصابت جميع الحواس بسبب إصابة الجهاز العصبي بشكل مباشر لحظة مقابلتي الأولى لها بالصعقة غير المتوقعة. 
عندما وصلت لها ليلاً فقدت البصر منذ أن واجهتها وجهاً لوجه فلم أستطع أن أدرك معالمها!! حاولت جاهداً أن أستنشق رائحة عطرها البحري لكن دون جدوى!! لم أستطع أن ألمس تضاريسها فهي تنزف في شتى أنحاء جسدها، أصوات الاستغاثة المرتفعة والنداءات العاجلة جعلت مني أصمَّ أبكمَ فَلَم أُدرك أي صوت يجب أن أسمع وإلى أي صوت يجب أن أتوجه، فقدت التركيز في المشهد وكأن الأرض تدور بسرعة 11عاماً، ما جعلها في سُبات عميق كأنها كانت مع أهل الكهف... كم لبثنا؟! 
أستيقظ باكراً، أذهب لعدد من الاجتماعات واللقاءات، جسدي معهم وعقلي يفكر بها، أنجح في الهروب من الرسميات والبروتوكولات للبحث عن أهل من أفقدتني حواسي لاسترجاع ما يمكن استرجاعُه، فأجد رجالاً قدموا سنوات عمرهم من أجل الحفاظ عليها ممن حاولوا أن يسلبوا برتقالها، وأكتشف نساء يُرضعن أطفالهن حب الوطن مهما كان الوطن قاسياً، وشباباً وفتيات يحرثون الأرض لزراعة الأمل وهم لا يملكون ثمن بذوره، وأطفالا يرسمون على رمال الشاطئ صواريخ وطائرات ومجنزرات وجنوداً ليدمرهم البحر بأمواجه.
أمشي في شوارعها وبين أزقة مخيماتها في محاولة لفهم كيف ينبض قلبها بكل هذه الحياة رغم المعاناة التي لا يشعر بها سوى من هم فيها، فهي وحدها تقاتل بما تبقى لها من أوكسجين كل من له أجندات خارجية وداخلية لسرقة رمالها وأحلامها لبناء مشاريع وإمارات خاصة بهم؛ مُستغلين الجوع والمرض، وتجارة الدين، وفقدان البوصلة التي تشير الى الوطن.
الواقع المحيط بها يُشعرها بأنها غريبة، وكأن الهوية الجامعة طردتها من تعريفها الشمولي، لكنها لا تدرك بأن الجميع يشعر بهذا الاغتراب، لا أحد يعلم تفاصيل عن الآخر سوى ما ينشر عبر الإعلام والأخبار الكاذبة، لهذا أصبحنا هي ونحن مجرد أخبار تتناقلها وسائل الإعلام عن بعضنا الآخر دون معرفتنا عن المعاناة الحقيقية فيما يحدث ما وراء الخبر.
لا أحد يستطيع إنقاذها باسم الدين أو السياسة، لا أحد سينقذها باسم التمويل الخارجي المشروط أو الصدقة الجارية، فهي الآن في غرفة الإنعاش وكل ما تحتاجه خطة وطنية تنموية لإنقاذها بكافة القطاعات على أن تكون لقمة العيش أول أولوياتنا، إن لم نسرع في العمل سيخسرها الجميع، فهي أصبحت بيئة خصبة لتكاثر داعش ومشتقاتها.
أعترف لك بأن فقداني لجميع حواسي، جعلني أكتشف مفهوم هويتي التي أعتز بها، فرغم معرفتي وتواصلي الدائم مع أبنائك إلاّ أنني وجدت نفسي غائباً عنك، لا أحد يستطيع المساس بك أمامي باسم الشعارات الكاذبة للحفاظ عليك!! فمن لا يحافظ عليك سيخسر كل ما لديه، سيخسر الوطن.