ناجي شراب - النجاح الإخباري - اساسا مهمة السلام والأمن في العالم هي مهمة الأمم المتحدة ، فالهدف الرئيس الذي من أجله أنشئت هو تحقيق السلام والأمن العالميين، وهذا ما جاء في ديباجة ميثاقها والمادة الأولى منه. ومنذ أن أنشئت الأمم المتحدة وهي تقوم بدور كبير في تثبيت الاستقرار والأمن العالميين ، بتبني رؤية شمولية لحل النزاعات الدولية، وأنشئت لهذا الغرض آليات كثيرة أهمها قوات حفظ السلام الدولية ، وبعيدا عن تقييم دورها ،إلا أنها نجحت في العديد من النزاعات الدولية، وقد يعزى ذلك لحالات التوافق بين الدول وخصوصا الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، الذي يقوم بالدور المباشر في تنفيذ أهداف الأمم المتحدة في السلام والأمن إستنادا للفصلين السادس والسابع من الميثاق. ولقد واجهت الأمم المتحده صعاب وعقبات كثيرة في هذا الصدد بسبب الفيتو الذي قد تلجأ إليه إحدى الدول الدائمة، او بسبب الصعوبات الماليه الكبيرة التي تحتاجها الأمم المتحدة لتنفيذ مهماها في حفظ السلام. ولا يقتصر دور الأمم المتحدة على تشكيل قوات حفظ سلام ، ووساطات تقوم بها ولجان تقصي حقائق ، فلها دوران آخران مهمان الدور القانوني القضائي عبر محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات التي لها طابع قانوني كمجلس حقوق الإنسان.

والجانب الآخر الشرعية الدولية التي تحتاجها كل الدول للقيام بمهامها العسكرية ، فبدون هذه الشرعية الدولية تفقد التدخلات العسكرية التي تقوم بها الدول مبرراتها ، وهذا يجعلها مكلفة جدا ، والمثال الواضح في أعقاب غزو الكويت عام 1991 من قبل العراق وتشكيل قوات تحالف «دولية» تقودها الولايات المتحدة ، والتي تم تغطيتها دوليا من قبل مجلس الأمن. ولعل من أكبر التحديات التي واجهت الأمم في تحقيق السلام والأمن العالميين مشكلة الشرق الأوسط او قضية فلسطين، على الرغم من ان المنظمة الدوليه لم تتوانَ عن القيام بدورها في الجانب المتعلق بالعديد من القرارات الدولية التي أصدرتها والتي أكدت من خلالها على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره السياسي وقيام دولته، وعلى عدم شرعية كل ما تقوم به إسرائيل من إستيطان، ولا شك في أهمية هذه القرارات التي ترفع كلفة ألإحتلال الإسرائيلي ، وتثبت الحقوق المشروعة للشعب للفلسطيني والتي لا تسقط بالتقادم .

ولم تتوان الأمم المتحده ولا أمنائها العامين على عددهم من إرسال مبعوثين خاصين للسلام، وإرسال العديد من اللجان بمهام مختلفة، لكن رغم كل ذلك لم تنجح المنظمة الدولية حتى الآن في ترجمة قراراتها إلى واقع سياسي على الارض وبإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، وبقبول فلسطين دولة كاملة العضوية .

وقد يعزى ذلك لأسباب كثيرة في مقدمتها الفيتو الذي تلجأ إليه الولايات المتحدة ضد أي مشروع قرار يطالب بفرض عقوبات على إسرائيل، او صدوره إستنادا للفصلين السادس والسابع ، ولذلك بقيت كل القرارات الدولية مجرد توصيات غير ملزمة على أهميتها القانونية الرمزية. وبسبب إحتكار الولايات للعملية السياسية والتفاوضية إدراكا منها ان الشرعية الدولية ستفرض أثمانا سياسية عالية على إسرائيل، وبتحييدها لدور الأمم المتحدة وشرعيتها الدوليه. ولقد ثبت منذ أن أحتكرت الولايات المتحدة هذه العملية منذ 1991 ، ان السلام والأمن لم يتحققا، بل تمادت إسرائيل في إنتهاك قرارات الشرعية الدولية.

وبمقارنة بسيطة لعدد المستوطنات والمستوطنين في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة المقررة دوليا لقيام الدولة الفلسطينية تكفي للتأكيد على عدم إحترام الشرعية الدوليه التي تمثلها الأمم المتحدة.

وحيث ان القضية الفلسطينية قضية سلام وأمن عالميين ، وإستمرارها بدون حل يشكل تحديا لهذا السلام والأمن ، ويشكل تحديا للشرعية الدولية ، ومصداقية دور الأمم المتحدة ، فلقد حان الوقت أن تقوم الأمم المتحدة وتنتزع دورها الطبيعي في القيام بدور أكثر فاعلية لتحقيق السلام في المنطقة ، وحيث ان القضية من أساسها قضية دولية ، وتزامنت مع نشأة الأمم المتحدة بل ان الأمم المتحدة لها دورها في نشأتها من خلال القرار رقم 181 الذي قبل إسرائيل دولة في الأمم المتحدة ومنحها شرعية دولية ، وأقر بقيام دولة عربية أخرى للفلسطينيين، فهذا هو الوقت الذي على المنظمة تفعيل دورها إستنادا لميثاقها الذي يعطي للجمعية العامة وفقا لقانون الإتحاد من اجل السلام دورا متوازنا لمجلس الأمن للتغلب على الفيتو، ومن خلال تفعيل دور الدول الأعضاء والتي تصل اليوم إلى 194 دولة معظمها عانت من الاحتلال ،وبدور اوروبي وروسي وصيني وغيرها من الدول الوازنة بدعم هذا التوجه.

فالقضية بمركباتها ومعطياتها أكبر من قدرة دولة واحدة كالولايات المتحدة ، حيث ان لها مكوناتها الدولية التي لا يمكن حلها إلا في إطار دولي تمثله الأمم المتحده. هذا هو الوقت الذي يجب فيه على المنظمة الدولية أن تبادر وتقود سفينة السلام في المنطقة وإلا سيغرق الكل .