د. سائد الكوني - النجاح الإخباري -
على خطى أجندة السياسات الوطنية للأعوام 2017-2022 تحت شعار "المواطن أولاً"
نشرت الاقتصادي في 10/7/2017 معطيات بيانات رسمية حول تحقيق الميزانية الفلسطينية العامة فائضاً خلال شهر أيار من العام الجاري، وللشهر الخامس على التوالي، وذلك قبل التمويل الخارجي، حيث بلغ إجمالي الفائض المتحقق في الميزانية العامة خلال الشهور الخمسة الأولى من نفس العام 493 مليون شيكل، وبلغ إجمالي صافي الإيرادات المالية (الإيردات المجباة محليا والتحصيلات المخصصة كإيرادات المقاصة) نحو 6.103 مليار شيكل، ومقابل ذلك بلغ إجمالي النفقات (المصروفات) الجارية للحكومة الفلسطينية خلال نفس الفترة نحو 5.610 مليار شيكل. وأوضح أن الحكومة اقتطعت من فائض الميزانية العامة مبلغ 273.4 مليون شيكل لتمويل الموازنة التطويرية، خلال ذات الفترة المسماة، ليستقر صافي الرصيد عند 220 مليون شيكل قبل التمويل، وبلغ إجمالي التمويل الخارجي (المنح الخارجية) للميزانية العامة 843.3 مليون شيكل، و231.6 مليون شيكل لتمويل الميزانية التطويرية، وبذلك استقر صافي رصيد الحكومة الفلسطينية، بعد إجمالي النفقات والإيرادات والمتأخرات، بعد التمويل، بنحو 131.8 مليون شيكل.
في ظل التوتر السياسي والغليان الجماهري الذي شهدته المناطق الفلسطينية كافة بعد الاعتداءات الاسرائيلية على الحرم القدسي الشريف، لم تلق المعطيات أعلاه الصدى الاعلامي المناسب ولا حقها من التحليل والتمحيص من قبل أهل الاختصاص. وبالرغم من أنه قد يبدو لبعض المختصين من المُبكر البناء على هذه المعطيات للحكم على الأداء المالي الحكومي لهذا العام نظراً للحالة الاستثنائية التي نعيشها كفلسطينين تحت الاحتلال وما قد يظهر بها من مفاجآت غير سارة، إلا أنه من المُنصف أن يُشار إيجابياً إلى الاداء المالي الحكومي، ويُقرأ ذلك من خلال ما نشرته أيضاً الاقتصادي بتاريخ 25/7/2017 عن اشادة البنك الدولي بالتدابير والاجراءات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية في ادارتها للظروف الاقتصادية الصعبة للمناطق الفلسطينية، حيث عُبر عن أن الأداء المالي للحكومة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2017 تجاوز التوقعات بفضل تعبئة الإيرادات القوية وضبط الإنفاق، وتُوقع أن يصل العجز المتكرر إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام 2017، أي أقل بمقدار 1.7 نقطة مئوية عما كان متوقعا له.
والحديث عما إذا ما كان من المناسب للحكومات بشكل عام أن تدير عجزاً أو فائضاً للميزانية (أو الموازنة) العامة فهـذا موضع خلاف بين الاقتصاديين أنفسهم. بدايةً يتفق هؤلاء على أن محاولة تخفيض عجز الموازنة وتحقيق توازن بين ايرادات الدولة ونفقاتها، يُساهم برفع الاستثمار من خلال تخفيض أثر المزاحمة للقطاع الخاص crowding out effect والذي ينعكس على خفض أسعار الفائدة، ما يترتب عليه سهولة حصول شركات الأعمال والاستثمار على قروض ماليه ميسرة وبتكاليف مخفضة، ويُسهم في النمو الاقتصادي بشكل أسرع ولفترة أطول، ويؤدي بالنهاية إلى تقليل عجز الموازنة. إلا أن نشود حالة التوازن كهدف من قبل الحكومات من سنة لأخرى أمر يراه الاقتصاديون غير محبب ولا يُنصح به، تماماً كما هو الحال في محاولة الحكومات ادارة عجزاً أو فائضاً في ميزانياتها من منطلق توجهاتها المالية فقط ودون أدنى اعتبار للظروف الاقتصادية لدولها، حيث أن جميع هذه المحاولات ستفضي إلى الضرر الجسيم لاقتصاديات تلك الدول بدلاً من مساعدتها. وعليه فان التدخل الحكومي الأمثل هو ذلك الذي يأتي مساعداً للاقتصاد الوطني في الوصول الى حالة التوازن من تلقاء ذاته، حيث أنه من المعروف أن اقتصاديات الدول تمر في حالات من الركود وأخرى من النمو، ومن المفترض أن تتحدد السياسات المالية لتلك الدول وفق الحالة التي تمر بها اقتصادياتها. ففي حالة النمو الاقتصادي تتجه ميزانيات الدول تلقائياً الى الفائض، وذلك لزيادة معدلات التشغيل وانخفاض معدلات البطالة، وزيادة دخول الأفراد والشركات، والوفرة في التحصيلات الضريبية للدولة بالتزامن مع خفض الانفاق الحكومي على برامج الدعم الاجتماعي. عكس ذلك يحدث في حالات الركود الاقتصادي، حيث تزداد معدلات البطالة في صفوف القادرين والمؤهلين للعمل، وتنخفض دخول الأفراد والشركات، ويحدث تراجع في الجباية الضريبية، وتولد بذلك الحاجة لمزيد من الانفاق الحكومي على الحالات الاجتماعية، بل وحتى الضروة الى الاستثمار الحكومي اذا كان معدل العائد عليه أعلى من تكلفة الفائدة على المديونية الحكومية.
وأختم بضرورة مواصلة الحكومة الفلسطينية لهذا النهج في تبني سياسات مالية تلائم مستجدات واقع الاقتصاد الوطني الفلسطيني وبما يُسهم في تحقيق أهدافها التنموية المعلنة في أجندة السياسات الوطنية للأعوام 2017-2022 تحت شعار "المواطن أولاً"، وبالتعاون مختلف الجهات البحثية والأكاديمية والمهنية المختصة في الوطن.