منال الزعبي - النجاح الإخباري - رغم الحصار القاتل الذي حوّل قطاع غزة إلى ما يشبه العزلة التامة عن العالم، ورغم المجاعة التي تفتك بالأهالي، لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن استهداف المدنيين. وفي الساعات المتأخرة من ليلة الخميس استهدفت طائرات الاحتلال خيمة تأوي عائلة نازحة من خان يونس، جنوب قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة من أفراد عائلة الفرا، الأب والأم وطفلتهم الصغيرة في حين نجا الطفل براء بعد إصابته بجروح خطيرة.
استفاقت الأم عائشة الفرا على دوي الانفجار، لم تدرك في البداية أن الصاروخ سقط على خيمة ابنها المحامي الشاب، الذي لجأ مع أسرته الصغيرة إلى السكن في الخيام بعد تهجيرهم قسرًا من منازلهم. هرعت الأم مع الجيران لإخماد الحريق بالرمل، لكن النيران كانت أسرع، والجثث كانت قد استسلمت.

تقول عائشة، بصوت مختنق بالكلمات والوجع:
"استيقظنا على صوت القصف. فجأة وجدت الصاروخ في خيمة ابني، واشتعلت فيها النيران. أخرجنا الأطفال… ووجدناه هو وزوجته شهيدين، والفتاة الصغيرة كانت ميتة. هذا هو الثالث الذي أدفنه، وأبوهم استشهد قبله. ابني كان محامياً، لم يحمل سلاحًا".
براء بقي وحيدًا يلوّح وداعًا

من بين الأنقاض، نجا الطفل براء الفرا. جُرح في القصف، لكنه ظهر محمولًا في جنازة عائلته يلوّح بيده الصغيرة مودّعًا والدته ووالده وشقيقته. كانت صورته وهو يودّع أحبّته.
أصوات مقهورة

أحمد أبو شهما، أحد أقارب العائلة ومن شهود العيان، وجه اتهامًا صريحًا إلى الولايات المتحدة والداعمين الدوليين لإسرائيل، قائلًا:
"ويتكوف أو ترامب… كلهم كاذبون… صنعوا مصيدة الموت."
وأضاف:
"هذه مش مساعدات، هذه مصيدة موت. لو كانوا يريدون المساعدة فعلاً، لفعلوها عبر الأونروا أو المؤسسات الدولية، أو من خلال الحكومة الفلسطينية، نحن لا نثق بمساعدات تحت إشراف أمريكا والصهاينة."
تصعيد مستمر وحصيلة دامية
بحسب وزارة الصحة في غزة، فإن الاستهداف الأخير في خان يونس يأتي ضمن سلسلة هجمات متواصلة منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي أودت حتى الآن بحياة أكثر من 60,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.
في المقابل، تزعم حكومة الاحتلال على إنها تستهدف "البنية التحتية لحماس" وتحاول "تفادي استهداف المدنيين"، فيما تستمر الشهادات الميدانية والصور القادمة من غزة في توثيق حجم الفقد الإنساني الذي لا يمكن تبريره.
وداع بلا كلمات…
في وداع مؤلم، حمل المشيّعون جثامين العائلة من مستشفى ناصر في خان يونس، وأدّوا صلاة الجنازة، فيما تمسك براء بقوة بيد أحد أقاربه.
أمّا عائشة، الأم المكلومة، فمشت خلف النعوش بثباتٍ مخنوقٍ بالدموع، تردد بصوتها المتعب:
"ثلاثة دفنتهم… ما ظل عندي غير الله."