اياد عبادلة - النجاح الإخباري - شكَّل الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة في مدينة بئر العبد، منعطفًا خطيرًا في عقيدة "المتطرفين" الذي نفذوا الجريمة البشعة، ضدَّ جموع المصلين الأبرياء العزُّل، والتي راح ضحيتها قرابة 305 شهداء، وأكثر من 120 جريحًا, وتشير عملية الإصرار المتعمد على القتل، والتخلص من الجميع، إلى أن هناك أسباب جديدة اعتمدها التنظيم المتطرف في سلوكه، الذي اقتصر سابقًا فقط على مهاجمة كمائن الجيش والأمن المصريين، فما هي الدوافع الذي قادتهم لاستهداف المدنيين الأبرياء؟، وهل ستقود المنطقة لتشكيل تحالف جديد؟، وما علاقة إسرائيل بما حدث, "الجارة الأقرب" للحدود وهدفها زعزعة أمن واستقرار آخر الجيوش العربية، وأكثرها تنظيمًا؟.
دوافع الجريمة
وبالإشارة إلى الدوافع باستهداف المدنيين الأبرياء العزل, كشف عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية في مصر, د. محمود أبو العنين, أن دوافع المتطرفين تكمن في زعزعة واستقرار الأمن المصري, في شبه جزيرة سيناء, ومحاولة جديدة لنقل الصراع إلى هذه البؤرة من العالم العربي, بعد فشل مخططات الدول الداعمة للإرهاب والفوضى في العالم العربي، من حماية التنظيم المتطرف في العراق وسورية, مشيرًا إلى أن الهجوم سيزيد من مصر على محاربة الإرهاب بكل السبل, وتشكيل جدار أمني يحمي الجبهة الشمالية, ويحد من مخاطر السيطرة على نهر النيل الذي يعد عمقًا استراتيجيًا للدولة.
فيما رأى الكاتب والمحلل السياسي، المختص في شؤون الشرق الأوسط، حسن عبده أن الهجوم الأخير على مسجد الروضة،  يحمل عدة مؤشرات أبرزها، ضعف التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية، والدفع بتعزيز تواجدها في سيناء، وأشار إلى أن المتطرفين’ استهدفوا الأبرياء كنوع من الترويع والتخويف، للسيطرة على المنطقة بشكل كامل, وبين أن عادة هذه الجماعات عندما تضعف وتفلس من أهدافها، ضد الجيش أو الأمن، تتجه لضرب المدنيين، لضمان سلامة عناصرها ومعداتها.
ورأى أستاذ التاريخ والعلوم السياسية، د. ناصر اليافاوي، أن الطريقة المتبعة الممنهجة في تدبير هذا البعد الكمي والنوعي للقتل ، أكبر من تفكير عصابات مسلحة متناثرة في سيناء ، موضحًا أن جهات استخباراتية إقليمية مدربة على مثل هذا النوع من القتل الوحشي تقف وراءها، بهدف تحقيق أكبر عدد من القتلى، بين سكان عزل ، لخلق نوع من الارباك والرعب لأهل المنطقة والمناطق المجاورة ، ووضعهم أمام خيارات أما القتل أو الاستسلام والتعاطي مع مطالب الارهابيين.
وهاجم مسلحون مجهولون في وقت صلاة الجمعة مسجدا بقرية الروضة غرب مدينة العريش "شمالي سيناء"، حيث قاموا بتفجير عبوة ناسفة، ثم أطلقوا نيران الأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية على المصلين الذين كانوا يتدافعون إلى خارج المسجد وسط حالة من الهلع والخوف، وذكر بعض الشهود أن المسلحين حاصروا المسجد بكافة المركبات، ثم زرعوا قنبلة خارج المبنى، وبعد الانفجار، أطلقوا النار، مما تسبب في ذعر المصلين الذين كانوا يفرون، لكنهم عجزوا عن ذلك بفعل النيران التي أضرمت في سيارات كانت متوقفة في المكان.
الأهداف
وأوضح "عبدو"، أن من أبرز أهدافها، للقيام بتنفيذ هذا النوع من العمليات، هو محاولة إبعاد مصر عن  الملفات الإقليمية، مثل الملف الفلسطيني، والليبي، والسوري، ومحاولة تقويض دورها في المنطقة، الأمر الذي يُدلّل على أن الهجوم تقف خلفه، منظومات دولية لها أدوار فاعلة في المنطقة، وتسعى لتقسيمها وفق رؤيتها, موضحًا أن بعض الدول لا ترغب برؤية مصر وهي تخرج من أزماتها خاصة على الصعيد الإقتصادي، والتقدم على صعيد السلم المجتمعي، ولفت إلى أن المؤشر الثالث، يتساوق مع انتهاء "التطرف" في سورية والعراق، بفعل الضربات المتلاحقة، وهروب أعداد كبيرة منهم إلى ليبيا ومنها إلى سيناء، من أجل البحث عن عامل الاستقرار في الصحراء التي تتميز بطبيعة ديمغرافية، تصعب على الدولة المصرية ملاحقتهم فيها.
واعتبر د. "اليافاوي" أن الهجوم على مسجد الروضة جاء مكملًا لعملية الواحات وتفجير الكنائس ، من أجل خلق حالة من الارباك الداخلي للجيش المصري واشغاله بل وانهاكه ، كون أن الجيش عمليا هو آخر من تبقى من قلاع الجيوش العربية المنظمة، ولم تنجح محاولات عدة من جهات استخبارية دولية وإقليمية لزعزعته ، رغم تعدد المحاولات والذرائع والمسميات من ربيع عربي وخريف ،وغيرها.
واتفق مع "عبدو" في أن أبرز الأهداف يكمن في محاولة اقصاء مصر الذي استعادت دورها الإقليمي الذي غيب عمدًا، وخاصة في القضية الفلسطينية وقدرتها على فرض المعادلات في اللعبة السياسية ، وأن ذلك بات يزعج أعداءها وأعداء الأمة، في ظل ظهور بعض الدول التي حاولت ان تلعب دور العراب، وشرعت تقوم بدور ممنهج لخلق حالة من الارباك والفوضى لتشتيت جهد الجيش ، ومحاولة جره من دوره المقدس القائم على حماية حدوده ومصالحه الإقليمية ، إلى استنزافه في عمليات إرهابية داخلية.
وشهدت مصر عدة انفجارات في كنائسها، كان آخرها الذي وقع في كنيسة ملحقة بالكاتدرائية المرقسية في منطقة العباسية بالقاهرة خلال قداس الأحد، وخلف 25 شهيدًا إضافة إلى قرابة الـ50 جريحًا.
التطرف وإسرائيل
وعن محاولة زعزعة الأمن في سيناء، ومحاولة أطراف أخرى بدعم عدم الاستقرار, خصوصًا دولة الإحتلال التي تحاول جاهدة إلى مشروع توطنين للغزيين في سيناء، وتطرحه بقوة مع كل حل اقليمي، أكد "عبدو" على أن سيناء تعتبر خط الدفاع الأول عن مصر، لما لها من استراتيجية، في الدفاع عن نهر النيل، الذي يعتبر العامل الحيوي الأهم في المنطقة، ومستقبلها الاستراتيجي، واضاف، أنه لم يستبعد أن يكون لإسرائيل دور لما يحدث من فوضى في سيناء لمحاولة التدخل عسكريًا ولو بشكل تدريجي فيها.
فيما أكد "اليافاوي" على أن مصر تدرك أبعاد تلك العمليات ومن يقف ورائها وما أهدافها، اذا بات من الضروري أن تغير تكتيك المعالجة لتلك المؤامرات، وأضاف، "ليس بالمعالجة الأمنية فقط ، بل وضع تصورات لمعالجات أخرى، تحمل أبعاد سياسية واقتصادية، واحداث توازنات ديموغرافية في المناطق ذات الخصر الضعيف في الجبهة المصرية المقاومة للإرهاب"، إضافة إلى نقل المعركة بكل جوانبها من الأراضي المصرية إلى أراضي الجهات الداعمة والممولة للإرهاب، والعمل على خلط اوراقها الداخلية ولو بالحصار السياسي وذلك أضعف الإيمان.
و ذكرت القناة العاشرة العبرية، أنّ مصر ستطلب من “إسرائيل” إدخال قوات إضافية إلى شبه جزيرة سيناء لتشديد الحرب ضد تنظيم ولاية سيناء، ووفقاً لما نشرته القناة، فإنّ مصر ستطلب إدخال قوات خاصة وآليات عسكرية جديدة من أجل شنّ هجمات أوسع ضد التنظيم الذي يشتبه بمسؤوليته خلف هجوم الأمس. منوهةً إلى أنّ الهجوم الذي وقع اليوم سيؤدي لعلاقات أمنية أكبر بين مصر وإسرائيل، وأضافت أن التنظيم بعد أن فقد قوته في سوريا والعراق أصبح يظهر قوته بشكل أكبر في سيناء من خلال تنفيذ هجمات دامية، معتبرةً أنّ التنظيم في سيناء يعد من أكثر فروعه قوة وعنفًا، وادعت أن التنظيم يخطط لهجمات ضد السياح ويحاول جلب “إسرائيل” للمعركة بعد أن أطلق صواريخ على إيلات وبعض مستوطنات الجنوب في الأشهر الأخيرة.
تحالف 
وحول ما إذا كانت نتائج الهجوم ستقود المنطقة إلى إعادة النظر في تشكيل تحالف عربي لمكافحة الإرهاب، على غرار التحالف الذي قادته السعودية لإعادة اليمن إلى حضن الشرعية، قلل المحللان من أهميته، وأوضح د. محمود أبو العينين أن مصر بحاجة إلى تحالف عربي إفريقي يساهم في ردع التنظيمات التكفيرية المتطرفة في كل البلدان العربية والإفريقية، لكنه أصر على أن مصر قادرة على مواجهة الإرهاب ومحاربته على أراضيها من خلال جيشها, فيما رأى الأستاذ حسن عبدو أن الاختلاف في التوازن الإقليمي وبعض المواقف العربية، تقلل من احتمال تشكيل تحالف لمحاربة "الفكر المتشدد", مضيفًا أن مواجهة "التشدد" تحتاج إلى محاربته بالعقيدة الفكرية والثقافية القائمة على التسامح الديني، قبل الاستخدام العسكري.
يُشار إلى عناصر ارهابية وتكفيرية تنشط في شمال سيناء، وتهاجم بين الحين والآخر كمائن للجيش المصري في العريش والشيخ زويد، وبئر العبد، وغيرها من المواقع العسكرية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في شبه جزيرة سيناء, ومحاولة اقامة ولايتهم المزعومة على هذه البقعة التي تختلف بديمغرافيتها عن بقاع العالم.