عاطف شقير - النجاح الإخباري -
  حقَّق المقدسيون نصرهم الجزئي على سلطات الاحتلال من خلال إزالة البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية، وما كان ذلك ليتحقق إلا من خلال عزيمة المقدسيين وإرادتهم ودعم القيادة السياسيّة لجهود المقدسيين على الصعدكافة .


  ظمأ فلسطيني للإنجاز

  قال الكاتب نبيل عمرو  في مقال له:"إنَّ الاحتفاء الفلسطيني بالفوز في معركة البوابات، يدل على ظمأ فلسطيني للإنجاز، والأداء الشعبي المميز في هذه المعركة، يدل على فاعلية جبهة ظلَّت معطلة لفترة طويلة، أو أنَّها استنزفت في الصراع الداخلي، الذي قسّم العرب إلى عربين، والسلطة إلى سلطتين والقضية المركزية إلى مجموعة من القضايا الفرعية، تتعلق بالماء والكهرباء والتنقل".

 وأضاف: "غير أنَّ سؤالًا ربما يكون هو الجوهري في الأمر كله، يتردد في ضمائر الناس قبل ألسنتهم.."، هل ما فعلناه في معركة البوابات، يمكن أن نفعل مثله في معارك قادمة مثل الترتيبات الإسرائيلية المعلن عنها تجاه القدس، والمترافقة مع ترتيبات تتعلق بمستقبل الوطن والشعب والقضية".

وهذا السؤال لا يجاب عنه باللغة والشعارات والتمنيات، فكل ذلك متاح وفي متناول اليد، إلا أنَّه لا يقدّم بل يؤخر، واذا كان الأداء الجماهيري في معركة البوابات التي هي جزء من معركة الأقصى والقدس والوطن، كان رائدًا بحيث حرّك العالم كلّه، فإنَّ ما حدث يتطلب كي يبنى عليه فعلًا قياديًّا متماسكًا ومتصلًا، ليس فقط على صعيد استثمار الفعل الجماهيري، وإنَّما على صعيد أهم وأعمق وهو تحريكه وتطوير أدواته في سياق معركة وطنية كبرى هدفها إزالة الاحتلال والتقدم بخطوات  قوية ومقنعة نحو الحرية والاستقلال.

 القدس قدمت نموذجها
بدورها رأت الكاتبة ريما كتانة في مقال لها نشر في جريدة الأيَّام"ما علينا الاهتمام به، أكثر من تخاطف النصر، التعرف على التجربة بعمق دون إسقاطات إرادوية، التعرّف على صنّاع المشهد، كيف غذى المشهد نفسه بنفسه، تكرار الصورة دون تعب يصيبنا عادة، التقاط وتكريس النموذج النضاليّ الذي ظهرت ملامحه بوضوح، من أجل البناء عليه في مواجهات أخرى قادمة. نموذج بديل للحالة الانقسامية وإخفاقاتها، بناء حالة التوحُّد على الأرض وليس على الورق.
 وأضافت: "التأمل في المشهد المقدسيّ يفضي إلى نتيجة مفادها بأنَّ القدس قدَّمت نموذجها البديل للمشهد الإنقسامي البغيض فلسطينيًّا، قدّمت نموذج البطولة الجماعية، قدّمت نصها السهل الممتنع: افتراش شوارع القدس والثبات على الموقف، استقطاب الحراك الشعبي السلمي فئات وشرائح اجتماعية ومهنيَّة مختلفة، لم يعتريه التعب كما يحصل عادة بسبب الحالة الانقسامية والإخفاقات المتتالية".
 وتابعت: "الشباب المقدسي الذي عزَّز موقف المرجعيات الدينية والسياسية والمجتمعيّة المتوحّدة على الهدف، بسبب تقاسم المعاناة والقهر والتمييز، دون استعلاء وفوقيّة، لكن المعظم منهم يلجأ إلى الشبكة العنكبوتية لاحتياجاته المعرفية، لذلك دخل في تكوين هويته: الشخصية الفردية.
واختتمت نزال في مقالها: "إنَّ من يتجاهل اللحظة ورسائلها لا يستطيع استخلاص الدروس، لا يُخرِج نفسه من الخارطة فقط ويفقد مبرر وجوده، بل يفقد الصلة مع صنَّاع الحدث وثقتهم. إنَّها المعادلة التي أدّت إلى إلغاء التنسيق الأمني بعد أكثر من عامين على اتخاذ القرار.

وجع الحنين
 من جهتها ذكرت الكاتبة حنان باكير في مقال لها في جريدة الحياة الجديدة:"خطواتي اللعينة، لا تأخذني إلا إلى مواطن الوجع، ولو عبر الذاكرة. أحداث القدس الجديدة/ القديمة، أو المتجددة دومًا، تفتح في القلب كوَّة تطلّ على فضاء المدينة المثقلة بإرث تاريخي وإنساني، ودروب آلام. لم أعرف تلك السيدة الجميلة/ المدينة، إلا قبل زمن قصير نسبيًّا. فأنا لا ذاكرة لي في هذا المكان. لكنّي ورثت عشقها وتلبّسني تاريخها".
 وأضافت: "اقتربت منها أكثر وصبّحتها. ليش يا خيتا! أنا متلك فلسطينيّة! أجابتني بلا مبالاة وبمزيد من الاحتقار: إنتو بتتعلموا العربي أحسن منّا.. غوري من وجهي. أقسمت لها بأنني مثلها وأنني من عكا، ولكنَّها أفضل مني بألف ألف مرّة، أنا ارتحلت وتهت، وهي بقيت تحرس التين والزيتون بأرضنا الطيبة. لم يشفع لي كلُّ كلامي الجميل المشبع، بأحزان ستين عامًا من التيه، حتى تعترف بوجعي. وتواجه ذلي وانكسار روحي، بالإحتقار.. لم يزعجني الأمر، بل أسعدني، لأنَّ المرأة لم تخش الإفصاح عن مشاعرها، اتجاه من اعتقدت، أنَّها من الطرف المغتصب لأرضها وسمائها وهوائها".
أخيرًا "قلت لها: ممكن أسلم عليك؟ ومددت لها يدي، حدَّقت في عينيها. أخمّن بأنَّ قلبها همس لها شيئًا. مدَّت يدها بلا مبالاة. أمسكت بيدها وخطفت منها قبلة سريعة.. وانصرفتُ بعد أن أديت مهمة شاقة. ليدها التي خشَّنها العمل في ما تبقى لها من تراب، رائحة الزعتر والزيتون والصبر الذي تبيعه.
 وكنت مهيأة لأن أبوس الأرض تحت أقدامهن التي تأبى الرحيل.. لتتقدس أنفاسهن التي تحرس الهواء.. لتتقدس عيونهن القابضة على المدى والأفق.. لتتقدس أيديهن التي خشّنها حبّ التراب".