ايناس أحمد - النجاح الإخباري - خَلَّفَ الوجود العثماني في مدينة القدس تحفاً معمارية تكاد تنطق انسانية، من سور للقدس يحميها لمدارس ومكتبات تعلمُ كل من يرتاد المدينة، عدا عن السبلان والفسفيساء والمستشفيات، كان هذا النتاج المعماري والثقافي في عصر السلطان سليمان القانوني، الذي احبَ روكسيلانة الروسية وفضلها عن باقي جواريه، أحب القدس فأحبته روكسيلانة.

رأت روكسيلانة بأن زوجها السلطان قد نهض بالمدينة فكرياً وثقافياً، حماها وعلم سكانها و طورها، الا أن الفقراء لم يكن لهم نصيباً من فكر السلطان، فقامت ببناء التكايا التي تقدم الطعام مجاناً لفقراء المدينة.

تكية خاصكي سلطان

في شارع الواد، مقابل باب المجلس احد أبواب المسجد الأقصى، وفي منتصف عقبة التكية، تقع تكية خاصكي سلطان التابعة لادارة الأوقاف و الشؤون والمقدسات الاسلامية في مدينة القدس.

انشأت روكسيلانة الروسية التكية عام 1552م، ضمن مبنى مدرسة دار الأيتام الاسلامية الصناعية، كانت التكية من أكبر المؤسسات الخيرية التى تعنى بالفقراء بمدينة القدس، ولضمان وجودها أوقفت روكيسلانة أراضي بعض القرى والمشاريع التي تدر ارباحاً تسد احتياجات التكية ومصاريف العاملين فيها.

يقول عبدالله عجاج مشرف تكية خاصكي سلطان:" كان يدخل على التكية يومياً ما يقارب اثني كيلو من الذهب من الاراضي الموقوفة على التكية قبل سيطرة الاحتلال على تلك الاراضي، أراضي اللد، وبيت اكسا، وبيت لقيا".

لا فرق بين المسلم والمسيحي" التكية للانسان"

تقدم التكية خدماتها يومياً لكل من يطرق بابها، ولا تختصر بتقديم الخدمات فقط على العائلات المسلمة الفقيرة كون التكية تتبع للأوقاف الاسلامية، بل تعدى الجانب الانساني بالتكية الجانب الديني، حيث تقدم التكية خدماتها لخمس عائلات مسيحية، من بين المئة عائلة التي تكفلها التكية.

يقول سمير ابو ليل مدير عام صندوق الزكاة في الاوقاف الاسلامية:"الملفت للانتباه ان عدد الفقراء زاد حتى اليوم 100 عائلة فقيرة واذا ضربنا عدد الأفراد على انه اربعة على الاقل فان هناك اكثر من 400 شخص يأخلذون  احتياجاتهم من التكية، والتكية مفتوحة لكل من يطرق بابها ، لانها تغذي الانسان، ولا يرفض أي انسان ".

في القدس يوجد فقراء

وفق دراسة اجرتها دائرة الأوقاف لعدد الفقراء في مدينة القدس، لتزويدهم ببطاقة تمكنهم من الاستفادة بشكل يومي من خدمات التكية، تحتوي البطاقة على الاسم وعدد الافراد ليتم التوزيع بشكل متساوي.

يقول سمير ابو ليل:" عندما اجرينا الدراسة تفاجئنا بعدد الفقراء، بالفعل يوجد في مدينة القدس فقراء، والعدد بزيادة خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مدينة القدس من تضييق وضرائب باهظة، العائلات بازدياد يوماً تلو الأخر".

ماذا تقدم تكية خاصكي سلطان؟

بدأت تكية خاصكي سلطان بتقديم شوربة الجريشة يومياً للفقراء و رواد العلم في مدينة القدس، وهي عبارة عن قمح مجروش واستمرت على هذا الحال سنين، تطورت من ثمان سنوات بدعم من الشيخة شمسة بنت حمدان ال نهيان، دعمت التكية و قدمت وجبات ساخنة يومياً للفقراء، الا انه في السنة الماضية اوقفت الدعم وعادت التكية لتقديمالشوربة.

 و قامت الاوقاف على نفقتها الخاصةبتقديم وجتين طعام في الاسبوع، تكون عبارة عن لحم و دجاج و أرز.

لكن يبقى الاقبال الاكبر على شوربة الجريشة التي يعتبرها اهل القدس شوربة البركة، وانها مقدسة لاحتكار صناعتها على التكايا فقط، تكية الخليل و تكية خاصكي سلطان في القدس، يقول عبدالله عجاج:"  هناك اقبال على الشوربة خصوصاً انها لا تختصر على الفقراء".
بينما يقول سمير ابو الليل:" تأتي الناس لأخذ الشوربة من باب التبرك ليس الا، تأتي الناس من ضواحي مدينة القدس من عناتا و مخيم شعفاط ومرضى قطاع غزة وقبل الحواجز كان من بيت لحم و رام الله، يأتوا لأخذ الشوربة".

غطرسة الاحتلال تطال تكية خاصكي سلطان

كون تكية خاصكي سلطان تقع ضمن مبنى مدرسة دار الأيتام الاسلامية الصناعية، فان اقتحامات الاحتلال للمدرسة تؤثر على عمل التكية، فحين تقتحم قوات الاحتلال المدرسة بحجة ان الطلاب يلقون الحجارة، فانها تغلق أبواب المدرسة والتي تعتبر الابواب الخارجية للتكية، فلا يستطيع المنتفعين من الوصول الى التكية الى حين فتح البوابات والسماح لهم بالدخول.

ماذا تحتاج تكية خاصكي سلطان؟

لا ينقص التكية لا مشرف عليها ولا طباخين  ولاحتى أواني الطبخ، فهي مجهزة بكل ما يلزمها، لكن ما ينقصها حقيقة هو الدعم المادي الضروري لاستمرارها كونها مركز انساني واجتماعي مهم جدا لمدينة القدس، عدا عن كونها ارث حضاري ومعماري عثماني.

هذا ما ناشد به سمير ابو ليل مدير عام صندوق الزكاة في الاوقاف الاسلامية:" التكيةركن اساسي في المجتمع المدني خاصة في ظل الاحتلال فان هناك عدد كبير من الناس فقراء وهذا يتطلب أن نكون يد وحدة ونناشد كل الايادي البيضاء والتجار بأن يمدوا يد العون لهذه التكية لتستمر في عطاءها".

معتبراً ما يتم تقديمه لتكية خاصكي سلطان هو زكاة وتطهير للنفس و صدقة جارية،مؤكداً على شفافية الاوقاف الاسلامية بتقديمها وصل رسمي وكتاب شكر لكل من يتبرع للتكية، فاتحة ابوابها لكل من يريد الاطلاع على عملية التوزيع والطبخ.

واتفق معه عبد الله عجاج مشرف التكية منذ عام 1989، قائلاً:" رسالتي الى أصحاب الخير بأن يدعموا تكية خاصكي سلطان لتبقى أثر وتستمر لاطعام فقراء مدينة القدس" .

يغيبنا الموت ويبقى الأثر، غابت روكسيلانة ولم يغب أثر قد صنعته لاطعام فقراء القدس، تغنى بحبها أهل القدس كما تغنى به السلطان سليمان القانوني وأكثر، تبقى الحضارات أساس الشعوب و تاريخها، فما خرج العثمانيون من القدس الا وتركوا وراءهم حضارة يتغنى بها.