وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - يحتفل العالم في 17 حزيران من كل عام بما يُعرف بـ "اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف"، ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة بناءً على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1994، والهدف هو زيادة الوعي العام بظاهرتي التصحر والجفاف، وبالأخص في ظل التغيرات المناخية العميقة التي يشهدها العالم هذه الأيام، حيث يعتبر الجفاف من أكبر التهديدات للتنمية المستدامة، وحسب التوقعات سوف يؤثر الجفاف والتصحر وفقدان إنتاج الأرض على حوالي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية بحلول عام 2050.  
ويتم الاحتفال بهذا اليوم في عام 2023، تحت شعار"المرأة ..أرضها وحقوقها"، من أجل التركيز على أهمية حصول النساء على حقوق التملك واستخدام الأرض، وتوجيه رسالة مفادها أن الاستثمار في تكافؤ فرص تملك المرأة على الأراضي ووسائل الإنتاج، هو استثمار مباشر في مستقبلهن ومستقبل البشرية، وكذلك لأهمية دور المرأة في حماية النظام البيئي ومن ضمنه الأرض من التصحر والجفاف وبالتالي انعدام الأمن الغذائي.
وحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن نصف القوى العاملة الزراعية العالمية اليوم هو من النساء، ومع ذلك، فالمرأة تمثل نسبة أقل من واحد من كل خمسة (حوالي 20%) من ملاك الأراضي في جميع أنحاء العالم، وما زالت المرأة محرومة من الحصول على إرثها في أكثر من 100 دولة بموجب القوانين والممارسات العرفية أو الدينية أو التقليدية.
والتصحر هو عملية تحول الأرض، التي كانت خصبة أو منتجة في السابق، إلى أراض قاحلة، من الصعب زراعة المحاصيل والإنتاج من خلالها، وتزداد أهمية مكافحة التصحر في ظل تغيرات مناخية متصاعدة، من آثارها الحرائق والفيضانات وارتفاع حرارة الأرض وشح المياه والتلوث بأنواعه، سواء تلوث الهواء أو المياه أو التربة أو الطعام، والتصاعد الكبير في نسبة الأمراض غير السارية أو المزمنة وحتى ظهور أفات جديدة وبالتالي أمراض أو أوبئة جديدة.
حيث إن الآثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها الدول المتقدمة أو الصناعية في العالم، بفعل الاحتباس الحراري قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في إحداث التغيرات المناخية ولكن تتحمل العواقب والآثار بشكل أكثر إيلاماً أو بدون إنصاف، أو بالأحرى عدم وجود أو غياب عداله مناخية أو بيئية في العالم.
وهذا يعني بالتحديد الصورة القاتمة والظالمة التي باتت تحياها دول فقيرة أو ضعيفة ولا تملك المصادر أو الإمكانيات للتعامل مع  تداعيات بيئية ومناخية وربما صحية ونحن منها، بسبب النشاطات التي تقوم بها دول أخرى، حيث بتنا هذه الأيام نلمس هذه التداعيات على أشكال مثل قلة الأمطار وارتفاع حرارة الأرض، وذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع منسوب المياه والفيضانات، والتصحر اي فقدان قدرة التربة على الزراعة والتلوث وانتشار بعض الأمراض بسبب ظهور آفات جديدة وما الى ذلك، وما ينتج عن ذلك من التداعيات الإنسانية والسياسية والاجتماعية، والتي تأتي إفرازاً أو نتاجاً لغياب العدالة المناخية.
وفي ظل ذلك، وفي ظل غياب ما يعرف بـ "العدالة المناخية"، في العالم، أي تأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأدقع فقراً أو الأكثر ضعفاً، بما تحدثه الفئات الأكثر قوة أو الأغنى أو المحصنة أكثر، فتأثيرات التداعيات البيئية والمناخية ستكون أكثر على هذه الفئات من الدول والمجتمعات والمناطق، وفي داخل المجتمع الواحد، سوف تتأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأقل قدرة الى الوصول الى المصادر والفرص وتحقيق الإمكانيات وملاءمة الظروف حسب المتغيرات، وهذه الفئات سوف تعاني وتخسر اكثر، وبمعنى آخر سوف يكون التأثير من منطلق النوع الاجتماعي، أكثر حدة على النساء أو على  المرأة بشكل فردي أو جماعي، ومن ضمنها المرأة الفلسطينية.
وسوف تكابد المرأة أكثر للتأقلم مع تصاعد التصحر ومع ظروف جديدة وصعبة، وبالأخص في المناطق الفقيرة والمهمشة والريفية والبعيدة عن الخدمات وعن إمكانية توفر الفرص أو الوسائل، وكل ذلك بفعل التغيرات البيئية التي أحدثها البشر، وبشكل رئيسي الجزء الآخر من النوع الاجتماعي أي الرجل، وبالتحديد في المناطق الغنية المتقدمة والتي توفر وسائل التكيف وإمكانيات التغلب على التغيرات في النظام البيئي والنظام الحيوي، أكثر بكثير من المناطق الفقيرة.
والتغيرات البيئية تؤثر كذلك على المرأة بشكل شديد من خلال ندرة المياه النظيفة الصالحة للاستعمال البشري، حيث تؤكد تقارير دولية ان مياه قطاع غزة على سبيل المثال ملوثة بنسبة تصل الى حوالي 95%، سواء من ناحية التلوث البيولوجي أو الكيميائي من معادن ومواد عضوية وغير عضوية، وأن مياه مناطق الأغوار تزداد فيها نسبة الملوحة باطراد، بسبب الاستهلاك المتزايد للمستوطنات، وبأن مناطق في جنوب الضفة وحتى في الوسط لا تصل فيها المياه الى المنازل، الا يوماً أو عدة أيام في الأسبوع، ولكل ذلك آثار وخيمة على المرأة التي تدير المنزل وتربي الأولاد وتحافظ على صحة البيت وسلامة الطعام.  
وتكون المرأة الأكثر هشاشة من التغيرات البيئية على شكل التلوث البيئي، بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أشار أحد التقارير الدولية الى أن تلوث الهواء فقط، يؤدي الى وفاة حوالى أربعة آلاف شخص يومياً في الصين مثلاً، وكل ذلك بسبب انبعاث الغازات الى الجو، والذي أحدثته النشاطات الاقتصادية المكثفة خلال السنوات الماضية، والفئات الأكثر وفاة من هذا التلوث هم النساء والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة.
وفي ظل الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر، وفي ظل تعمق آثار التغيرات المناخية وبشكل سريع وعنيف وخطير، فنحن في فلسطين، حيث بدأنا نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، وسوف يستمر هذا التأثر ويزداد ويشمل جوانب أساسية من حياتنا مثل المياه والتربة والغذاء والصحة والطاقة، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، فقد يكون هذا التأثير علينا كبيراً وملموساً، حيث بدأنا نلمس آثاره في مجالات المياه والإنتاج الغذائي والجفاف وتداعي محاصيل والتصحر وتراكم النفايات، وفي المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة.