وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - شهدت العاصمة كييف، منتصف الأسبوع الماضي، ضربة جوية روسية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية ومخزوناً كبيراً للأسلحة والذخيرة، وكذلك إسقاط طائرة حربية من طراز سو 24 ومروحية عسكرية ودبابتين، وتدمير عدد من الأنظمة الدفاعية الأوكرانية.
الروس تغزلوا بالضربة البحرية والجوية التي ركّزت تحديداً على الأسلحة الأوروبية التي يقدمها الغرب لأوكرانيا، والأهم من بين كل التصريحات الحديث الروسي عن تحييد منصة الصواريخ الاعتراضية الأميركية "باتريوت".
وزارة الدفاع الروسية، عبر بيان صادر عنها، قالت: إن صاروخاً من طراز "كينجال" استهدف منظومة "باتريوت" بضربة عالية الدقة، في حين نفت وزارة الدفاع الأوكرانية إصابة المنظومة الدفاعية الأميركية، وردّت بالمقابل على التصريحات الروسية بالقول: إن كييف أسقطت ستة صواريخ فرط صوتية من طراز "كينجال" و12 صاروخاً آخر.
بعيداً عن هذا التراشق والاتهامات بين الطرفين الروسي والأوكراني، دخلت واشنطن على خط هذه التضاربات الإعلامية بالقول: إنها لم تحصل على معلومات بشأن تضرر منظومتها الدفاعية. غير أنها اعترفت بعد ذلك بإصابة "باتريوت" ولم تقدم تفسيراً آخر بخصوص تدميرها كلياً أو تعطلها وسحبها لإعادة تصليحها وإطلاقها للخدمة.
الهجوم الروسي الجوي على أوكرانيا بهذه الكثافة وإدخال أسلحة جديدة ومتطورة مثل صاروخ "كينجال" الذي يعتبر فخر الصناعة الروسية، ويتميز بأنه يفوق سرعة الصوت عشر مرات، هذا الهجوم هو رسالة واضحة للقيادة الأوكرانية ومن خلفها الحلفاء الغربيون، أن روسيا ستواصل هذه المعركة ولن تخرج منها مهزومة بأي ثمن كان.
كذلك هو رسالة للدول الأوروبية التي تستعجل إرسال أسلحة متطورة لكييف، وفي مقدمتها بريطانيا التي زودت أوكرانيا صواريخ باليستية من طراز "ستورم شادو" ومجموعة من الصواريخ الأخرى والطائرات المسيّرة، في وقت كان يبحث فيه الرئيس الأوكراني زيلينسكي دعم لندن المادي والعسكري في زيارة غير معلنة للمملكة المتحدة.
الكرملين الذي اعترض على إرسال بريطانيا صواريخ وأسلحة لكييف، ترجم رؤيته وأهدافه للعملية العسكرية الحالية باستهداف صاروخ "ستورم شادو" البريطاني، واستعراض العضلات هذا مهم جداً بالنسبة لروسيا لهدفين، الأول تحقيق إنجاز عسكري في ضوء تعثر العملية البرية والسيطرة على باخموت الأوكرانية، والثاني تخويف الغرب بالقدرات العسكرية الروسية وأن "عظمها قوي".
في ضوء هذه المعطيات، ستزيد الحرب الإعلامية ضراوةً بين الطرفين الروسي والأوكراني لحشد الرأي العام العالمي، وفي حين ستدخل موسكو أسلحة جديدة مستحدثة بأسعار رخيصة إلى أرض المعركة، ستسعى أوكرانيا بالمقابل تكثيف جهودها للحصول على الدعم العاجل من دول حلف "الناتو".
حالياً ثمة نقاش ساخن بين الحلفاء الأوروبيين والأميركيين بشأن تزويد أوكرانيا بطائرات "إف 16"، إذ تضغط كل من هولندا وبريطانيا لإرسال هذه الطائرات، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال مترددة، وترى أن أوكرانيا تحتاج أكثر إلى الأنظمة الدفاعية والصواريخ الهجومية.
في الواقع وفي حين قد تصمت واشنطن عن مسألة إرسال هذا النوع من الطائرات الحربية الأميركية إلى أوكرانيا ولكن عبر طرف ثالث هو هولندا ربما، إلا أن الولايات المتحدة تخاف من أن تقوم روسيا بأفعال انتقامية رداً على إرسال "إف 16".
وفي خضم هذا التصعيد، لا تزال الوساطات الدولية تنشط لتهدئة الحرب أو وقفها بين الطرفين الروسي والأوكراني، حيث زار المبعوث الصيني الخاص لشؤون أوراسيا في بحر الأسبوع الماضي العاصمة كييف، والتقى وزير الخارجية دميترو كوليبا ومسؤولين آخرين.
وتحاول بكين منذ لقاء الرئيسَين الصيني والروسي بموسكو، في آذار الماضي، الدخول على خط الأزمة، لكنها تتفهم كل الأسباب الروسية التي دفعتها لهذه الحرب ولذلك لا تضغط عليها للموافقة على التفاوض مع أوكرانيا تحت شروط الأخيرة، الأمر الذي يفهم من هذه الوساطة أن بكين لاعب دولي يستعرض عضلاته الدبلوماسية في إطار الزخم السياسي والاقتصادي الذي تتمتع به.
من المهم ملاحظة أن روسيا لم توجه كل قوتها ولم تدفع كل أسلحتها إلى أرض المعركة، حيث تنتظر وتراقب دخول المعدات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة قبل سنوات طويلة لكن هذه الحرب ساخنة، حيث يدخل في قاموسها سباق التسلح والتراشق الإعلامي واستعراض القوة واستخدامها والتخويف باستخدام السلاح النووي إذا اقتضى الأمر.
الأيام المقبلة ربما ستشهد مثل هذه الحرب الجوية والبحرية التي شنتها موسكو حديثاً على كييف، والهدف ليس إضعاف القوة العسكرية الأوكرانية فحسب، وإنما السعي لتحييد السلاح الغربي في المعركة ومحاولة هزيمته بالسلاح الروسي.