وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - تتصاعد هذه الأيام حدة تداعيات التغيرات المناخية في العالم، وبالأخص تأثيرها على كمية ونوعية أو جودة أو تلوث المياه. وفي الواقع الفلسطيني، يبدو هذا الوضع اكثر وضوحا وشدة، من خلال مواصلة الاحتلال الإسرائيلي سلب المياه الفلسطينية والسيطرة على مصادرها، واستخدامها من خلال توسيع وبناء المستوطنات وبالأخص في مجال الزراعة كما يتضح في منطقة الأغوار الفلسطينية، فقدان القدرة على زراعة محاصيل اعتدنا عليها خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب عدم توفر المياه أو بسبب تداعي نوعيتها من خلال زيادة ملوحتها.
وفي بلادنا، نعرف أن غالبية مصادر المياه جوفية، حيث حسب بيانات تصدر عن الجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء، فإن حوالي 80% من مصادر المياه المستخدمة في بلادنا هي من مياه جوفية، وحسب البيانات فإن حصة المواطن الفلسطيني من المياه هي حوالي 84 لترا في اليوم، وهي تقل عن النسبة الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية للفرد وهي 100 لتر في اليوم، وبأن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على حوالي 85% من مصادر المياه الفلسطينية، ومن ضمنها ضفة نهر الأردن الذي يعتبر مصدر المياه السطحية المتوفرة للفلسطينيين.
وتأثير التغيرات المناخية في العالم يعود بالأساس إلى ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري، أو ظاهرة البيت الزجاجي، وتتشكل بسبب انبعاث الغازات من المصانع والمعامل والمركبات ومحطات الكهرباء، وما يصاحب ذلك من انخفاض في نسبة هطول الإمطار، والذي بدوره يؤدي إلى عدم تغذية أحواض المياه الجوفية ومن ثم ارتفاع درجة ملوحتها وازدياد احتمالات التلوث بسبب الضخ الزائد، وان ارتفاع ملوحة التربة وقلة المياه وارتفاع درجات الحرارة، يمكن أن تؤدي إلى ازدياد التصحر ومن ثم إلى نقص المحصول الزراعي، وعدم القدرة على زراعة بعض المحاصيل، التي تم الاعتياد على زراعتها.
ويحتل موضوع المياه أهمية خاصة عندنا، لأن عملية البناء والتنمية الاقتصادية المستدامة، وبالتالي خلق فرص عمل للآلاف من العاطلين، تحتاج إلى مياه بالكمية وبالجودة المطلوبتين، وتزداد هذه الأهمية بسبب شح مصادر المياه، وتلوثها أو تدهور جودتها خاصة في قطاع غزة، التي تشير تقارير محلية ودولية إلى أن اكثر من 90% من المياه فيه غير صالحة للاستهلاك البشري، وكذلك ما زالت قضية المياه تعتبر احد مواضيع مفاوضات المرحلة النهائية المجمدة منذ فترة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومع بقاء السيطرة للجانب الإسرائيلي وبالتالي استنزافها.
وموضوع تداعي جودة وكمية المياه يستدعي وبشكل طارئ وكأولوية التعامل مع موضوع إدارة المياه، حيث إن تلوث المياه في قطاع غزة على سبيل المثال، ينتج عن عدم التخلص السليم من المياه العادمة، حيث تجد بشكل أو بآخر طريقها إلى المياه الجوفية، وكذلك نتيجة الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية والأسمدة والمخلفات الصناعية، فبفعل مياه الأمطار أو الري تتسرب المواد الكيميائية ومن خلال التربة الرملية لتصل في المحصلة إلى المياه الجوفية، بالإضافة إلى احتمال تسرب المياه المالحة من البحر إليها.
ويضاف إلى ذلك في غزة، التلوث الناتج عن إلقاء كميات ضخمة من المواد الكيميائية المتفجرة على القطاع خلال الحروب الأخيرة، حيث تترسب هذه المواد في التربة ومع الزمن ومن خلال حبيبات التربة الخفيفة في القطاع تجد طريقها إلى خزانات المياه الجوفية، وحسب احد التقارير الصادر عن منظمة دولية قبل فترة، فإن حوالي 20% من الأطفال في قطاع غزة يعانون من أمراض لها علاقة بتلوث وجودة المياه، وبأن أمراض الكلى تنتشر بشكل كبير وبالأخص عند النساء.
ومن المعروف أن موضوع تلوث المياه وبشكل نسبي يعتمد على نوعية وتراكيز المواد الغريبة المتواجدة في المياه، حيث إن هناك معايير ومواصفات عالمية محددة لاستخدام المياه سواء للشرب أو للاستخدامات الأخرى، وهذه المعايير سواء أكانت من منظمة الصحة العالمية أو من وكالة حماية البيئة الأميركية مثلا، تحدد نوعية وتراكيز بعض المعادن مثل الرصاص والنحاس والكادميوم والزرنيخ، أو بعض المركبات العضوية مثل مواد الـــ «ديوكسين»، والبنزين، والمواد المتحللة من النفايات البلاستيكية، والمركبات الكلوروعضوية، وهي مواد سامة، وكذلك مبيدات الحشرات والفطريات والأعشاب التي إن زادت على الحد الأقصى المسموح به، يمكن أن تؤدي إلى أضرار قصيرة المدى مثل التأثير على عمل الكلى أو على الجهاز العصبي أو الهضمي أو التنفسي، أو آثار بعيدة المدى، تظهر بعد فترة على شكل أمراض مزمنة.  
ويزداد موضوع إدارة المياه أهمية، في ظل تداعي تأثير التغيرات المناخية وشح الأمطار وبالتالي تضاؤل مصادر المياه الجوفية عندنا، وكذلك في ظل مواصلة تحكم الجانب الإسرائيلي بمصادر المياه الجوفية، وبالتالي محدودية حفر آبار جوفية جديدة، فإن الإدارة السليمة للمياه المتوفرة من حيث الحفاظ على الكمية والجودة، تعتبر أمراً مهماً، وهذا يعني إجراء فحوصات لتحديد نوعيتها وملاءمتها وكذلك لبيان مدى جودتها، وإذا كانت صالحة أي غير ملوثة للاستخدام، وإذا كانت صالحة فلأي استخدام، في الزراعة، في الصناعة، للشرب، وهذا يعني كذلك الاستفادة من مياه الأمطار التي تهطل علينا من حيث إنشاء مشاريع ذات مستوى وطني، لتجميع مياه الأمطار، في خزانات أو آبار كبيرة.
وهذا يعني كذلك التعاون والتنسيق بين العدد الكبير من المؤسسات والمجالس والهيئات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية في مجال المياه من زوايا مختلفة، وهذا يعني كذلك الإدارة والاستخدام السليم للمياه العادمة، وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نحتاج إلى التوعية في استخدام المياه، من حيث طبيعة الاستخدام وترشيد الاستهلاك، بحيث يحس المواطن الفلسطيني بمدى أهمية سلعة المياه، والتي يبدو أننا لا نعرف قيمتها إلا حين نفتقدها أو نحس بشحها أو تدني نوعيتها، ومن الواضح أن الحاجة إلى المياه الصالحة سوف تزداد مع ازدياد البشر وازدياد نشاطاتهم وفي نفس الوقت مع بقاء محدودية مصادرها وكميتها على ما هو علية الآن، ومواصلة سيطرة الاحتلال الإسرائيلي عليها.