وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - يمكن أن يقال الكثير حول زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة التي كانت مخصصة أساساً لحل مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة، من خلال إقناع السعودية بضخ كميات كبيرة من النفط في الأسواق. وإعادة ترتيب الأوراق الإقليمية بما يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية.
وانتهت بالاتفاق بين إسرائيل وأميركا على ضمان الأمن الإسرائيلي وضمان تفوق إسرائيل النوعي بما في ذلك تعزيز القدرات التكنولوجية الإسرائيلية وإشراك إسرائيل في المعلومات التكنولوجية الأميركية بصورة تماثل التعاون بين الولايات المتحدة وكل من بريطانيا وأستراليا واليابان. ودمج إسرائيل في المنطقة ويشمل ذلك فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي.
كما أنه يمكن القول إنها لم تتمخض عن أي إنجاز مهم للقضية الفلسطينية خصوصاً أن القنصلية الأميركية في القدس الشرقية لم تفتح بعد وكذلك مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ولم تكن هناك خطوات ملموسة بأي اتجاه ظاهر للعيان باستثناء دفع مائة مليون دولار لمستشفيات القدس ومئتي مليون لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
ومع ذلك شعرت القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس بالارتياح من هذه الزيارة. وهناك بطبيعة الأشياء أسباب لهذا الارتياح، قسم منها شاهده الناس وقسم آخر كان في الغرف المغلقة.
أول الأشياء التي كانت مدعاة لشعور فلسطيني إيجابي هو ما حدث في القدس الشرقية عندما زار بايدن مستشفى المطلع، ولا نقصد هنا الدعم المادي بل تفاصيل بروتوكول الزيارة، فقد أزال الأميركيون العلم الإسرائيلي الذي كان على سيارة الرئيس عندما دخلت القدس الشرقية ورفض مرافقة الإسرائيليين له في هذه الزيارة.
وهذا أزعج الإسرائيليين كثيراً لأن مغزاه السياسي هو أن القدس الشرقية ليست جزءاً من دولة إسرائيل. ثم قال بايدن في المؤتمر الصحافي مع الرئيس أبو مازن إنه ملتزم بحل الدولتين على حدود 1967 في إطار تبادل للأراضي متفق عليه وإن القدس مهمة للشعبين، وإنه يجب المحافظة على الوضع القائم فيها.
وتحدث بخطاب عاطفي عن معاناة وحقوق الشعب الفلسطيني. وربما يشكل هذا الخطاب إحساساً أميركياً بعقدة الذنب وتكفيراً عن الموقف الذي اتخذته إدارة الرئيس دونالد ترامب.
بالنسبة للرئيس أبو مازن هذه الزيارة تمثل إعادة للعلاقات الأميركية - الفلسطينية التي توترت وكانت شبه مقطوعة خلال السنوات الماضية، وجرى فيها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها وتجاهل الفلسطينيين ومحاولة فرض «صفقة القرن» عليهم بممارسة أشد العقوبات التي وصلت حد قطع تمويل السلطة ليس فقط من الإدارة الأميركية بل من الدول العربية كذلك.
وما سمعه الرئيس أبو مازن خلف الأبواب المغلقة كان مشجعاً، خاصة ما يتعلق بتجديد التزام الإدارة الأميركية بخلق أفق سياسي ودعم حل الدولتين بالرغم من الإشارة إلى أنه بعيد المنال. وربما تعهد بعودة الدعم المادي للسلطة ودفع الدول العربية لدعم الفلسطينيين. بما يشعر القيادة أن الملف الفلسطيني عاد للظهور على الطاولة مجدداً، بعد سنوات من التجاهل والإهمال. باختصار حركت جولة بايدن المياه الراكدة في المسألة الفلسطينية.
حتى في القمة التي عقدت في جدة كان هناك تأكيد عربي قوي على دعم حقوق الشعب الفلسطيني وبالذات حقه في إقامة دولته المستقلة على أرض وطنه على أساس المبادرة العربية للسلام. ولم تتجاهل الدول الحاضرة للقمة القضية الفلسطينية وبعضها حتى أدان التعنت الإسرائيلي، ورفض فكرة الركض خلف إسرائيل ومحاولة استرضائها بعد مواقفها الرافضة للتسوية السياسية والسلام.
من الطبيعي أن يرى البعض أنه لا جديد في زيارة بايدن، وأن المواقف الأميركية تجاه الفلسطينيين هي أشبه بضريبة كلامية لا طائل منها، وأنه لم يتغير شيء سوى بعض الأمور الحياتية البسيطة. وهناك من يرى النصف المليء من الكأس، بقيام إدارة بايدن بإعادة تفعيل علاقتها مع الفلسطينيين، وهذا قد يفضي إلى إعادة استئناف العملية السياسية في حال توفرت ظروف ملائمة في إسرائيل بعد الانتخابات العامة القادمة في بداية شهر تشرين الثاني القادم.
في الواقع، لا أفق سياسياً في المستقبل المنظور في حال لم يحدث تغيير في الخارطة السياسية في إسرائيل يؤدي إلى نشوء قيادة إسرائيلية تقبل بحل الدولتين وبإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، على الرغم من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية المؤقت يائير لابيد أيد حل الدولتين في لقائه مع الرئيس بايدن. حيث من غير الواضح الآن ما يمكن أن ينتج عن الانتخابات الإسرائيلية وأي ائتلاف حكومي سيقوم، في ظل احتمال عودة بنيامين نتنياهو للحكم. كما أنه لا يتوقع أن يحدث تغير في الموقف الدولي في الفترة المقبلة القريبة يؤدي إلى تفعيل ضغوط جدية على إسرائيل بطريقة تدفعها للتفكير جدياً في إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة.
وللحقيقة أيضاً، هناك مشكلة جدية في الوضع الفلسطيني الداخلي حيث الانقسام وغياب الرؤية الموحدة والفساد وتوقف الحياة الديمقراطية، وهو ما لا يشجع على تدخل دولي فعال، حتى لو كان محكوماً بمصالح الغرب. والخيارات أمام الفلسطينيين محدودة للغاية.