نابلس - وكالات - النجاح الإخباري - تعيش مئات العائلات السودانية، التي اختفى ذووها، حالة من الترقب والذعر، في ظل غياب المعلومات الرسمية والأنباء عن تعذيب وتصفية مدنيين داخل معتقلات عسكرية سرية. في وقت أفادت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، عن رصدها 500 حالة إختفاء قسري، مرجحة أن تكون أعداد المفقودين أكثر من ذلك بكثير.

وما تزال عائلة عبد الرحمن (25 عاما) المفقود منذ 23 آب/أغسطس الماضي، تبحث عنه، بعد اختفائه، خلال المعارك الأخيرة، في حي جبرة جنوب الخرطوم.
العائلة المذعورة، قالت أنه خرج باحثا عن طريق آمن لإخراج شقيقاته وعمته من المنزل، بعد اشتداد القتال على نحو مروع، لكن الساعات والأيام مرت وعبد الرحمن لم يعد. وبينما تتوارد معلومات متضاربة، حول المختفين في حرب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لا تدري أسرته إذا كان ابنها حيا أم قتل.
وفي حالة أخرى، وبعد أيام من البحث عن الطبيب المفقود محمد حامد علي قالت مبادرة مفقود، إن قوات الدعم السريع، قامت بتصفيته «داخل معتقل المدينة الرياضية، شرق الخرطوم بحجة أنه ينتمي إلى القوات النظامية» مشيرة إلى أنه مدني ولا صلة له بأي عمل عسكري.
وبينت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري لـ«القدس العربي» أنها رصدت 500 حالة اختفاء قسري منذ اندلاع حرب منتصف نيسان/أبريل الماضي، بينهم 36 إمرأة.
وأفاد عضو المجموعة، المحامي عثمان البصري بتقييد بلاغات لدى النيابة العامة بمدينة ود مدني، بالإنابة عن أولياء المفقودين في العاصمة الخرطوم، وفقا للمادة 32 من قانون الإجراءات الجنائية السوداني لسنة 1991.
وبين أن استحالة تقديم البيانات أمام النيابة في الخرطوم وتعذر وصول أسر المختفين إليها، نظرا إلى الظروف التي تمر بها جراء الاشتباكات المسلحة، اقتضى فتح البلاغات في مدينة ود مدني المجاورة.
وفي ظل الأوضاع الأمنية المضطربة وتردي شبكات الاتصال والإنترنت في البلاد، تبدو عملية البحث عن المفقودين أمرا في غاية الصعوبة. لذلك رجح بصري أن مئات العائلات ما تزال غير قادرة على التبليغ عن فقدان ذويها.
ولفت إلى أن ضعف التواصل بسبب انقطاع الإنترنت والكهرباء وغياب النيابات والشرطة في الخرطوم بسبب المعارك جعل الإبلاغ عن المفقودين محدودا، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الأسر لم تستطع الإبلاغ، ما يرجح أن عدد المفقودين أكبر بكثير مما تم رصده.
وأشار إلى تلقيهم إفادات من ناجين، عن أعداد ضخمة من المحتجزين داخل معتقلات الجيش والدعم السريع. مبينا أن بعضهم تحدث عن احتجازهم في معتقل تجاوز عدد المحتجزين فيها الـ800.
وبين أن أكثر من 90 في المئة من المحتجزين من الشباب، مشيرا إلى استهداف لجان المقاومة الناشطين في غرف طوارئ الأحياء. فضلا عن حالات احتجاز بعض كبار السن من النساء واستخدامهم في تقديم خدمات الطعام في المعسكرات.
ولفت إلى أن شهادات الناجين، بينت الأوضاع المأساوية للمحتجزين في أماكن غير معدة للاحتجاز مثل مخازن الشركات والمصانع وقباء المنازل وأقسام الشرطة الصغيرة التي لا تتعدى سعتها 10 أشخاص بينما يتم احتجاز المئات داخلها.
وفي تلك الأماكن التي تم تحويلها إلى معتقلات، سيئة التهوية يواجه المحتجزون أوضاعا إنسانية كارثية، بينما يتعرضون للتعذيب والإذلال والجوع والعطش.
وأشار بصري، إلى إفادة أحد الناجين باحتجازه ضمن مئات في معتقل فيه «صنبور مياه واحد فقط» وشهادة آخرين عن احتجازهم في معتقلات لا توجد فيها حمامات كافية وتنعدم في الأخرى.
وحذر من أن الجيش والدعم السريع ليست جهات مخول لها احتجاز المواطنين، لافتا إلى أن الإخفاء القسري، محرم وفق الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، التي وقع وصدق عليها السودان في آب/أغسطس 2021. ومعاقب عليه بموجب المادة (186 ن) من القانون الجنائي السوداني. وأيضا ممارسة هذه الجريمة بشكل منهجي وفي نطاق واسع يجعلها من ضمن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الواردة في النظام الأساسي لميثاق روما – نظام المحكمة الجنائية الدولية- المعاقب عليها بالقانون الدولي الإنساني وهي من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم أو التنازل.
ومنذ منتصف نيسان/أبريل الماضي يواجه السودانيون أوضاعا إنسانية كارثية، بينما تتصاعد المعارك الطاحنة داخل الأحياء والمناطق السكنية، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى وتعرض المئات إلى الإخفاء القسري في ظروف غامضة.
وكشفت لجان المقاومة في منطقة العزوزاب جنوب العاصمة الخرطوم، عن رصدها معتقلات غير رسمية، تستخدمها قوات الدعم السريع في المنطقة، بينها مبنى رئاسة محلية جبل أولياء وقسم شرطة في حي أبو أدم وقبو في مبنى غير مكتمل قريب من مستودعات الغاز في حي الشجرة. وقالت إن تلك القوات قامت باحتجاز عدد من سكان المنطقة داخل تلك المعتقلات، منددة بمقتل أحد المحتجزين نتيجة التعذيب.
ونددت باختطاف المدنيين العزل واحتجازهم دون وجه حق في معتقلات غير قانونية، مطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين وعدم الزج بالمواطنين الأبرياء في هذه الحرب.
وكانت قوات الدعم السريع، قد نشرت نهاية الشهر الماضي، مقاطع مصورة، لمحتجزين قالت إنها عثرت عليهم في معتقلات تابعة للجيش، في معسكر المدرعات في منطقة الشجرة جنوب الخرطوم، مشيرة إلى تعرضهم لصنوف من التعذيب النفسي والجسدي لفترة تجاوزت الـ4 أشهر.
وقالت في بيان: «أنها تندد باعتقال واحتجاز المدنيين الأبرياء وتعذيبهم بدنيا ونفسيا وتعرضهم إلى الإهانة وحرمانهم من الطعام والماء والعلاج، فيما تمت تصفية عدد منهم بحجة دعمهم لقوات الدعم السريع» معتبرة ذلك جريمة مكتملة الأركان تستحق التحرك الفوري والعاجل من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية. بالمقابل يدفع الجيش بذات الاتهامات ضد قوات الدعم السريع.
وفي تموز/يوليو الماضي نشرت «رويترز» تقريرا يتحدث عن اعتقال قوات الدعم السريع لأكثر من 5 آلاف شخص في العاصمة السودانية الخرطوم، في ظل ظروف غير إنسانية، وفق منظمات وناشطين معنيين بالدفاع عن حقوق الإنسان.
وبينت وفق إفادات الناشطين أن ثمة مقاتلين بين المحتجزين، لكن بينهم أيضا أكثر من 3500 بينهم نساء ورعايا أجانب.
وأشارت المنظمات- التي حجبت إسمها- تخوفا من أعمال انتقامية، أنها ستقدم للأمم المتحدة توثيقا لحالات وفاة جراء التعذيب والمعاملة اللا إنسانية في ظروف اعتقال مهينة لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة.
وفي ظل الانتهاكات الواسعة في السودان منذ اندلاع الحرب، طالبت أكثر من 110 منظمة غير حكومية، مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء آلية تحقيق مستقلة بشأن السودان.