النجاح الإخباري - بدأت السعودية أمس العمل على خصخصة 10 قطاعات عبر تشكيل لجان للإشراف للقطاعات المستهدفة، وذلك في إطار أكبر تحوّل في تاريخ البلاد لإعادة هيكلة الاقتصاد والتأقلم مع تراجع أسعار النفط.

وذكرت الجريدة الرسمية السعودية أن القطاعات المستهدفة تشمل، البيئة والمياه والزراعة ووسائل النقل الجوي والبحري والبري والطاقة والصناعة والثروة المعدنية والتنمية الاجتماعية والإسكان والتعليم والصحة والبلديات والاتصالات وتقنية المعلومات، إضافة إلى خدمات الحج والعمرة.

وكانت وثيقة رسمية صادرة عن الحكومة السعودية قد أكدت أن التحول الاقتصادي سيركز على محورين أساسيين هما نشاط صندوق الاستثمارات العامة السيادي وبرنامج والخصخصة، وذلك في إطار “رؤية المملكة 2030” الرامية إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.

ويركز برنامج الخصخصة، الذي يعدّ أحد البرامج الرئيسية التي تعوّل عليه الحكومة لبلوغ أهدافها، على تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والنقل والبلدية.

وتستهدف خصخصة الخدمات، تقليل تكلفتها من خلال دور المنافسة بين شركات القطاع الخاص في ضمان تأمين الخدمات بمستوى أعلى من الكفاءة من حيث التكلفة والجودة، إلى جانب تسهيل الحصول عليها.

كما تستهدف الرياض أن تساهم الخصخصة في جذب الاستثمار غير الحكومي وخاصة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ودعم ميزان المدفوعات، إضافة إلى الهدف الرئيسي المتمثل بتحرير الأصول المملوكة للدولة، والذي سيعود على الحكومة بإيرادات سنوية.

 وتتجه أنظار الكثير من الشركات العالمية لاقتناص الفرص الكبيرة التي يتيحها برنامج الخصخصة، كما أعلنت الكثير من المصارف العالمية عن خطط لتوسيع نشاطها في السعودية استعدادا لاتساع النشاطات الاستثمارية المرتبطة ببرنامج الخصخصة. وأكد مصرف أتش.أس.بي.سي البريطاني في وقت سابق من الشهر الحالي أنه يرى فرصا “غير المسبوقة” في التحوّلات الاقتصادية التي تشهدها السعودية.

وكشف عن خطط لزيادة عدد الموظفين في السعودية من أجل زيادة المنتجات والخدمات التي يقدمها وخاصة في مجال إدارة الثروات والاستعداد لاستقبال ثورة الخصخصة وانفتاح السوق المالية.

وقال جورج الحيدري الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى أتش.أس.بي.سي إن الفرص المتاحة للبنوك الاستثمارية زادت بفضل “رؤية 2030”.

وأكدت شركة بونجي الأميركية لتجارة السلع الزراعية في شهر مايو الماضي أنها تتطلع للمشاركة في صفقة بيع أنشطة المطاحن للمؤسسة العامة للحبوب السعودية، الجهة الوحيدة المخوّلة بشراء القمح والشعير في السعودية.

وتسعى الحكومة إلى رفع الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى البلاد بنسبة 133 بالمئة لصل 18.7 مليار دولار بحلول عام 2020، مقارنة بنحو 8 مليارات دولار في عام 2015.

كما تستهدف “رؤية 2030” زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 43.5 مليار دولار في عام 2015 إلى نحو تريليون ريال سنويا (267 مليار دولار). وشكلت الإيرادات غير النفطية 38 بالمئة من إيرادات الدولة في العام الماضي، مقابل 62 بالمئة للإيرادات النفطية وهي أقل من المعدلات التي اعتادت السعودية عليها لسنوات طويلة، حين كانت العوائد النفطية تشكل قرابة 90 بالمئة من إيرادات الدولة.

ويرى الخبراء أن برنامج الخصخصة يمكن أن يحدث ثورة في برامج إعادة هيكلة الاقتصاد على أسس مستدامة وزيادة كفاءته وقدرته التنافسية.

وكانت الرياض قد فاجأت الأوساط الاقتصادية في أبريل بالكشف عن تفاصيل برنامج واسع لبيع الأصول الحكومية. وأكدت أنها تتوقع جمع إيرادات كبيرة من تلك العملية تصل إلى 200 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

 وقال نائب وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري حينها إن ذلك الرقم واقعي ويستند إلى دراسات مفصلة للتقييمات وحجم الطلب في السوق منذ الإعلان عن خطط الخصخصة في عام 2015.

وأضاف لصحيفة "العرب" أن الترتيبات الإدارية أصبحت مكتملة وأن الحكومة تعتزم البدء في خصخصة بعض الأصول في 4 قطاعات خلال العام الحالي، هي الرياضة والكهرباء والمياه وصوامع الحبوب.

وأكد أن لدى الحكومة “فكرة واضحة تماما عن حجم الطلب في السوق والتقييم والمستشارين الماليين وشهية السوق المحلية والعالمية والتدفقات النقدية والمبادرات الحكومية والهيكل المطلوب. كل هذا تمت دراسته”.

ومن شأن خطة الخصخصة في حال تحقيقها أن تساعد على إحداث انقلاب كبير في الاقتصاد السعودي عبر إشراك القطاع الخاص في جزء كبير من قطاعاته، كما ستساعد على دعم الأوضاع المالية العامة التي تضررت جرّاء هبوط أسعار النفط.

وسجلت الموازنة السعودية عجزا قيمته 79 مليار دولار في العام الماضي. وتستهدف الحكومة القضاء على عجز الموازنة بحلول عام 2020. ومن بين الأصول التي سوف يجري طرحها للخصخصة خلال العام الجاري مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، بحسب التويجري الذي كشف أن الصفقة وصلت “مرحلة متقدمة جدا وتأكدنا من إقبال المستثمرين وتعكف الجهات الحكومية المختصة على وضع نموذج الخصخصة”.

وأشار إلى أن الحكومة ترى في قطاع الرعاية الصحية فرصا كبيرة للخصخصة وتدرس إمكانية خصخصة كافة المستشفيات العامة ونحو 200 ألف صيدلية. وتعثر نمو القطاع غير النفطي في السعودية في العام الماضي بعدما دفع هبوط أسعار النفط الحكومة لخفض إنفاقها. ولا تزال الرياض تكافح من أجل خفض عجز الموازنة وتهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي عبر إقناع الشركات الخاصة بضخ المزيد من الاستثمارات.

وأحد العوامل الرئيسية لهذه الاستراتيجية هو برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص والذي تتشارك من خلاله الحكومة مع القطاع الخاص في تحمّل تكاليف الاستثمار والمخاطر وفي جني الأرباح من المشروعات. ويمكن تطبيق هذا البرنامج في قطاعات تأمل الرياض في تطويرها مثل صناعة السيارات.

وقال التويجري إن قطاعات البلديات والخدمات اللوجستية التي تشمل المواصلات والمطارات والموانئ ربما تكون أولى القطاعات التي تشهد شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لكنه لم يحدد إطارا زمنيا لذلك.

وأشار إلى أن السلطات تستهدف وضع أطر قانونية مفصلة لكل قطاع على حدة في ما يتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وتعتزم الحكومة طرح حزمة تحفيز للقطاع الصناعي في الربع الأخير من العام الجاري لدعم القطاع الحيوي وستركّز على القطاعات التي تحظى بميزة تنافسية مثل التعدين والأنشطة المرتبطة به.

وقال التويجري إن هناك نشاطا متسارعا لكل من صندوق التنمية الصناعي الذي يقدّم القروض للشركات الصناعية وصندوق الاستثمارات العامة الذي يستثمر في المشروعات عبر شراء حصص فيها. ويمكن لبرنامج الخصخصة أن يخفف الضغوط على الاحتياطات المالية السعودية التي سجلت تراجعات كبيرة في العامين الماضيين.