مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - في اليوم الثاني والعشرين لإضراب الأسرى، يبقى السؤال مطروحا بقوة، سؤال يطارد كل شخص ومجموعة وتنظيم  حول مستوى المشاركة في الضغط على سلطات الاحتلال كي تستجيب لنداء الأسرى الشجعان المضربين؟ مع كل يوم إضراب إضافي يزداد الخطر على حياة الأسرى المضربين وترتفع وتيرة المعاناة ويشتد ألمهم وألم عائلاتهم ومحبيهم، ومع كل يوم إضراب إضافي تزداد فيه شراسة سلطات الاحتلال عبر سلسلة من إجراءات العزل والنقل والتغذية الاجبارية، فضلا عن تجاهل مطالب المضربين وتشويه انسانيتهم في وسائل الاعلام الاسرائيلية، واعلان حرب نفسية  كان أحدث فصولها، بث إدارة السجون لفيلم يعود لعام 2004 حول تناول القائد مروان البرغوثي بعض الغذاء. مع كل يوم إضراب إضافي لا ينشأ تفاعل جماهيري واسع لاسناد اصحاب الامعاء الخاوية، بل يتحول التضامن الى روتين عادي ليس له تأثير قوي على سلطة الاحتلال، ويتحول إلى نوع من التعايش مع الاضراب.
إن الحلقة الاضعف في هذه المعركة هي محدودية الدعم الشعبي، وقلة المبادرات من قبل النخب الثقافية، وضعف الحراك السياسي الذي من شأنه حفز الفعاليات داخليا وخارجيا. الضعف لا يتناسب طردا مع الخطر الذي يواجهه الأسرى المضربون. هذا الخلل يستدعي إعادة النظر في الكثير من العناوين.
اولا : الافتراض بان تتوحد القوى السياسية في معركة إضراب الاسرى، هذا الافتراض لم يتحقق للأسف الشديد، بل حدث العكس حين احتدم الصراع الداخلي عبر إجراءات متبادلة وحرب إعلامية. وإذا كان الوقت لا يسمح الان بتقييم الخلاف وأسبابه ومسؤولية كل طرف فيه، فإن مصلحة الأسرى النابعة من المصلحة الوطنية تستدعي تجميد هذا الصراع والاجراءات التي اتخذت الى حين نجاح الاضراب  وتحقيق مطالب الأسرى العادلة. بعد الاضراب لكل حادث حديث، حيث يمكن وضع النقاط على الحروف عبر عملية تحديد المسؤوليات وتصويب العلاقات الداخلية بالاستناد لمعايير وأسس وطنية وديمقراطية، مع التأكيد على أولوية حشد كل الجهود من أجل إنهاء الاحتلال والرد على المحاولات المحمومة لحكومة نتنياهو في انكار احتلال الارض الفلسطينية، وابتزازها لدول العالم التي كان آخرها منع الرئيس الالماني من اللقاء مع منظمتي «بيتسيلم» و»نكسر الصمت» الاسرائيليتين الحقوقيتين. وزعم الرئيس الاسرائيلي بأن مدينة القدس غير محتلة. مطلوب في هذه اللحظة الفارقة عدم خلط  النضال والعمل لحل التناقض الرئيسي مع الاحتلال مع العمل لحل التناقضات الثانوية في إطار الحركة السياسية المناهضة للاحتلال.  
ثانيا: عندما لا تحدث مبادرات شعبية تلقائية لدعم اضراب الاسرى فإن تحفيز المشاركة الشعبية يقع على عاتق التنظيمات والاتحادات والنقابات والمنظمات الشعبية والمكاتب. فمن واجب تلك الحركة المنظمة ايجاد المهام وتشجيعها وتبيان اهميتها. مثلا، تحفيز الضغط الاقتصادي الشعبي عبر مقاطعة السلع الإسرائيلية، كمقاطعة كل الكماليات الاسرائيلية، وكل السلع الإسرائيلية التي لها بديل فلسطيني وغير إسرائيلي. مثل هذا العمل يعد أضعف الإيمان في شروط الخطر المحدق بالأسرى. إن خسارة أصحاب السلع الإسرائيلية الأرباح والمنافع، واستخدام الخسارة  كشكل من أشكال الضغط  على سلطة الاحتلال. المقاطعة سلاح في متناول السواد الأعظم من المواطنين، واستخدامه قابل للتطور، فكلما تعاظمت المقاطعة داخل فلسطين ستساعد على  المقاطعة خارجها، وتزداد الخسارة التي تساهم مع غيرها من العوامل في تحويل الاحتلال الى قضية خاسرة. وهذا يعني ربط معركة الاسرى بالمعركة الاكبر وهي الخلاص من الاحتلال.
ثالثا: تنظيم الاعتصامات والمسيرات للجاليات والتجمعات الفلسطينية في الخارج أمام مكاتب الامم المتحدة والصليب الاحمر والمنظمات الحقوقية، من اجل حثها على التدخل والضغط على حكومات الاحتلال. وتنظيم الاحتجاجات أمام السفارات الاسرائيلية بالتشارك مع القوى المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال وتقرير المصير. وفي هذا المجال  الكل- تقريبا-، يتساءل عن دور السفارات والممثليات والمكاتب الفلسطينية المنتشرة في أنحاء العالم في تنظيم النشاطات وفي بناء رأي عام داعم لمطالب الأسرى.
رابعا: لم ترق التجمعات والحشود الشعبية الى مستوى مؤثر يفرض نفسه على وسائل الإعلام ويتحول الى مركز الأحداث وقضية رأي عام. التنظيمات التي تحشد لمهرجان انطلاقتها المئات والآلاف وترفع الرايات واللافتات في كل شارع وزاوية لم تفعل ذلك في هذه المعركة. دعونا نتخيل احتشاد المئات والآلاف في مناطق التماس في كل بلدة ومدينة مع الاحتلال في ايام محددة ورفع مطالب الاسرى ومعها قضية الخلاص من الاحتلال؟ لا نريد في هذه الايام اشتباك مجموعات من الشبان مع حواجز الاحتلال واقتصار الفعالية عليهم. اي ان يحل العشرات واقل  بدلا من آلاف ومئات المحتجين والمحتجات. الهدف اشراك اكبر عدد ممكن من الشعب الفلسطيني في الاحتجاج، وحفز اصدقاء الشعب الفلسطيني وكل القوى المناهضة للاحتلال والعنصرية والقمع والاعتقال  والاستبداد والنهب، للمشاركة في تلك الاحتجاجات. لماذا لا نستعيد اسلوب الانتفاضة الأولى والأشكال المطورة لها في ميدان التحرير- مصر، واحتلوا وول ستريت في اميركا.
رابعا: القوى والمجموعات الفلسطينية الناشطة مع مجموعات اسرائيلية مناهضة للاحتلال، وهيئة المتابعة العربية والقائمة المشتركة مطالبون بالتعريف بمواقف المجموعات والقوى  والمنظمات والشخصيات الإسرائيلية المؤيدة للحقوق الفلسطينية بما في ذلك حقوق ومطالب الأسرى، وباختراق  الرأي العام الإسرائيلي ووضعه على المحك. مطلوب التعريف بكل إسرائيلي ضد الاحتلال والعنصرية، ومطلوب الرد على سياسة شيطنة الاسرى ووضعهم في خانة الارهاب وتجريدهم من انسانيتهم. بتقديمهم كمناضلين من أجل الحرية، وبالدفاع عن حقهم في مقاومة الاحتلال استنادا للقانون الدولي، ولا يغير من ذلك وقوع أخطاء من نوع استهداف المدنيين واهداف مدنية إسرائيلية بعمليات موجهة، ذلك النوع الخاطئ من العمليات الذي ينبغي الاعتراف بخطئه وبتناقضه مع القانون الدولي، والذي  يتحمل مسؤوليته قيادة التنظيمات والمرجعيات الدينية التي تبنته كشكل مشروع للنضال.
خامسا: هل يجوز التفكير بصوت عال وتقديم اقتراح  لقيادة الإضراب مفاده، التأكيد اولا على الإضراب المفتوح حتى تتحقق المطالب. ولأن المعركة طويلة فهذا يستدعي، إعادة تنظيم المشاركة في الاضراب المفتوح بصيغة «شيفتات»، فريق يضرب وآخر يعلق الاضراب. والحرص على سلامة الاسرى المصابين بأمراض ولا تستطيع اجسامهم احتمال الاضراب لمدة طويلة، والأهم هو انضمام قوى ومجموعات جديدة للإضراب، ما يسمح بتنفيذ حلقات متسلسلة من الإضراب.
غير أن قصر أمد الإضراب الناجح الذي تتحقق فيه المطالب، يعتمد على مستوى المشاركة الشعبية والضغوط والتدخلات والتضامن ويعتمد ايضا على خروج قوى إسرائيلية مؤيدة للمطالب المشروعة للأسرى الى حلبة المسرح.