حمادة فراعنة - النجاح الإخباري - يعترف المفكر الأميركي فوكوياما المختص في قراءة التاريخ أن الولايات المتحدة أخفقت في حروبها على أفغانستان 2001، وعلى العراق 2003 وفوزها عليهما، صحيح أنها تمكنت من إسقاط أنظمتهما، ولكنها فشلت في إيجاد البديل الواقعي التعددي الذي يحتكم لقيم الديمقراطية ونتائج صناديق الاقتراع.
المفكر الأميركي لم يتطرق في مقالته المطولة التي نشرها في «الإيكونوميست»، إلى إخفاق الولايات المتحدة وجماعتها ومن سار على برنامجها ونفذ رغبتها الإسرائيلية في إسقاط النظام السوري، وتغييره، كما فعلت في مصر وتونس وليبيا واليمن، بأشكال وأدوات مختلفة، وحققت ما تريد، ونصّبت تفاهماتها على أنقاض ما فعلته، من تغيير واتفاقات، وبتأثير مباشر من قبل المستعمرة الإسرائيلية، بهدف تدمير أطراف النظام العربي وشله وإضعافه، وخاصة في العراق وسورية ومصر والجزائر وحتى السودان لقطع الطريق ومنع أي تطلعات مُحتملة ضد المستعمرة الإسرائيلية.
في شهر كانون الثاني 2012، سمعتُ وزير الخارجية الروسي يتحدث مع مسؤول عربي رفيع المستوى، قال له: «في غفلة من الموقف الروسي، تمكنت الولايات المتحدة من العراق وليبيا، ولكنها لن تتمكن من سورية»، وهكذا كان التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، أدى إلى دعم النظام وتقويته ومنع سقوطه، وحصيلة ذلك هزيمة معلنة للأميركيين بعد أن صرح الرئيس أوباما بأن بقاء الأسد لن يستمر لأكثر من أسبوعين، ومضت أيام الأسبوعين والشهرين والسنتين، وها هو الأسد باق في موقعه ومكانته، تسعى الأطراف التي تجاوبت مع واشنطن على مسعاها، تعمل، اليوم، بعد الإخفاقات التي وقعت بها، تعمل على ترطيب الأجواء مع دمشق، وبعث رسائلها الودية، بهدف عودة علاقاتها مع النظام السوري برئاسة الأسد.
تبدلات السياسة الأميركية، وفق مصالحها، واستجابة لمصالح المستعمرة الإسرائيلية وتوجهاتها، سمة بارزة لواشنطن، فقد تحالفت طوال الحرب الباردة ووظفت أحزاب التيار الإسلامي، في مواجهة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي، ومن يسير في خيارات موسكو السياسية، وحينما حققت الغرض، عملت على تغيير الأنظمة الصديقة لها في مصر وتونس واليمن بالتفاهم مع «الإخوان المسلمين»، وها هي تنقلب في أفغانستان على نظامها الصديق الذي دعمته في مواجهة «طالبان»، وتتفق معها مسبقاً، على قاعدة الاتفاق الذي وقعته مع «طالبان» في 29 شباط 2020، ولو كانت تحترم إرادة الأفغانيين، لدفعت الأطراف الأفغانية المختلفة للتوصل إلى اتفاق وتعلن رضاها عنه وموافقتها عليه، ولكنها عملت على عكس مصلحة الأفغان ورغبتهم، في الاتفاق المسبق مع «طالبان».
سارعت واشنطن للهروب من أفغانستان ليس بسبب هجمات «داعش» أو «القاعدة» أو «طالبان»، مع أن هذه الفصائل لها تأثير على خروج القوات الأميركية، ولكنها عجلت بالرحيل، من أجل تحقيق أغراضها في خلق بؤرة توتر وأداة تحريض ونظام شمولي يستهدف الصين خصمها التجاري الأول، شرق أفغانستان، مثلما تستهدف إيران غرب أفغانستان، وتفجير العلاقات بينهم لإضعاف كل الأطراف المختلفة وتظهير الخلاف السياسي والعقائدي والديني والمذهبي في منطقة وسط وشرق آسيا.