خاص - النجاح الإخباري - كتب رئيس التحرير

 

إصدار الرئيس محمود عباس مرسوماً لإجراء الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية، يعد لحظة حاسمة في تاريخ فلسطين وقضيتها التي شهدت تراجعا عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي في الأعوام الأخيرة بسبب عوامل عدة . هذه المرة تختلف الانتخابات عن سابقتها التي جعلت فتح وحماس تعيشان صدمة الفشل والفوز، وهو ما ثبط مقومات نجاح العملية الديموقراطية. الفئة التي تحمل كلمة الفصل غالبيتها ستخوض تجربتها الانتخابية الأولى، وسينعكس ما عايشته من تجربة مريرة على أصواتها في صناديق الاقتراع، وفي عصر السوشيال ميديا، لن يكون من السهل توقع النتائج، بل ستكون أشبه بمن يرمي حجر النرد.

المرة الوحيدة التي انتخب بها الفلسطينيون رئيسهم كانت عام 2005 وفي عام 2006 برلمانهم، والآن مع مرور نحو عقد ونصف على ذلك، تقول آخر الإحصائيات إن نصف سكان فلسطين (القدس الشرقية والضفة وقطاع غزة) من الجيل الشاب وثلثي النصف لم يشهدوا انتخابات سابقًا، رغم أنهم شاهدوا جيرانهم (الاحتلال الإسرائيلي) يجري انتخاباته مرات ثلاث في أقل من عامين. ومع حالة الجمود التي تعيشها القضية الفلسطينية، باتت الانتخابات مطلبًا مهمًا لضخ دماء جديدة ومحاولة وقف حالة الاستاتيكو التي تسببت بتراجع الحالة الفلسطينية بعمومها وأثرت بشكل كبير على التغييرات الكبيرة في الإقليم والتي تراجعت بموجبها أولوية القضية الفلسطينية للرقم الثاني أو ما يليه بعد أن كانت تسبق الأولويات الوطنية للدول العربية والإسلامية بمعظمها.

وبناء على ما سبق، فان الانتخابات هذه المرة –إن أُجريت- ستكون بمثابة استعراض عضلات، وقد تظهر قوى جديدة على الساحة السياسية الفلسطينية، لذلك يعمل أكبر تنظيمين على تشكيل قائمة موحدة لمحاولة إنهاء أي إمكانية لظهور قوى جديدة مؤثرة قد تكون حاسمة ومعطلة لقرارات الاستحواذ التي لم تتغير منذ إنقلاب حركة حماس في قطاع غزة 2007 فباتت هي المسيطرة على تفاصيل القطاع بينما تسيطر قوى مختلفة في فتح على الضفة الغربية، وباتت الأولويات الوطنية (استيطان – حدود – ملفات الحل النهائي ..الخ) في أدنى الاعتبارات التي تٌناقش.

مخاطر هذه الانتخابات تتمثل في إمكانية صعود الشعبوية المفرطة والتي ستسهم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تعزيزها ورفدها بمكامن قوة لم تكن في الانتخابات السابقة، يقول -آلان دون- عالم الاجتماع الكندي في كتابه "نظام التفاهة" أن "التافهين Mediocratie" قد سيطروا على مفاصل كبيرة في الدول وأن العالم سيتأذى من ذلك، لأن أصحاب الثقافة المتوسطة والمعتمدة على الشعبوية سيعتمدون على أدوات وشركاء أقل فكرًا منهم، وهكذا حتى نصل إلى نظام تافه بشكل فظ،. رغم أن نظام المصالح هو المسيطر على الوضع الفلسطيني إلاّ أن وجود مؤسسات مجتمع مدني والتركيبة الثقافية في فلسطين أخرت إمكانية سيطرة "التفاهة" على المشهد , لكن الديمقراطية الحرة قد تجلب أسس هذا النظام، وكل الإمكانيات متاحة فمرض الشعبوية هو المسيطر على النظام العالمي بمجمله ورغم بعض المآثر له إلا أنّ الشعبوية المستمرة تؤدي بالعادة إلى خراب قد يطول علاجه. ومع عدم وجود توعية وطنية كافية، وغطرسة الاحتلال وحالة التفكك الفلسطيني الداخلي التي افرزتها حالة الاستقطاب بين الأحزاب المتناحرة، فان مواقع التواصل الاجتماعي تصبح سيفا ذو حدين فهي وإن كانت وسيلة زادت من سقف الحريات الممنوح على مر الزمن لكنها خطيرة لمن يستخدمها دون ثقافة ووعي، ومع وجود حوالي مليون ونصف المليون فلسطيني أعمارهم بين 18- 30 عاما، وقد عانوا الامرين من الاجندات المتصارعة على حياتهم وآمالهم المستقبلية، فان ما ستفرزه الانتخابات المقبلة قد يشكل مفاجأة، وهنا يجدر الإشارة إلى ما قاله الفيلسوف جان جاك روسو: "رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب ، بل في وعي الناس".

على أي حال، ستعتبر الانتخابات الفلسطينية ممرًا إجباريًا لإعادة الثقة بالقضية الفلسطينية، فهي ورقة ضاغطة لدفع الإدارة الامريكية الجديدة نحو التحرك بشكل جاد لاستئناف "عملية السلام" وفق الأسس والمرجعيات الدولية، لكن على الفلسطينيين أن لا يراهنوا على الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، فهذا الرجل لن يقدم حلولا سحرية، بل يحمل عقلية تقليدية في إدارة الصراع، ويمكن القول أن التوافق على إجراء الانتخابات هي رسالة دغدغة واضحة للإدارة الأمريكية الجديدة التي رددت على مسامع الفلسطينيين عبارة :"مع من أتفاوض , غزة أم الضفة؟"

لكن هل تجري الانتخابات حقًا ؟ التحديات الماثلة أمام إمكانية إجراء الانتخابات كبيرة، وحال اختلفت النوايا –المعلنة حاليًا- فإن ما يلزم لعدم إجراء الانتخابات استخدام واحدة من ألف سبب عالق ومتراكم، ولن تحل حوارات اللحظة ما لم تقدر عليه سنوات.  الرئيس الفلسطيني مصمم على اجراء الانتخابات رغم وجود اعتراضات كبيرة داخل حركة فتح،أما ما سيحدد موقف حماس الفعلي هو نتائج انتخاباتها الداخلية –إن لم يتم تأجيلها- والتي باتت المشاكل الداخلية فيها واضحة بإعلانات ممولة على وسائل التواصل الاجتماعي. فإما ينجح التيار المعارض لإجراء الإنتخابات فتجرى الانتخابات في الضفة دون غزة –وفق تعديلات قانون الانتخابات كدائرة وطن واحدة- ، وإما ينجح التيار المؤيد للتطور الطبيعي الذي يفرضه الزمن ويفرض تغيير الأدوات فتكون الانتخابات اللبنة الأولى في محاولة إعادة التوافق الفلسطيني الداخلي دون تدخلات إقليمية بالاتجاه السلبي.