جهاد المنسي - النجاح الإخباري - من جديد لا بد من الحديث عما بات يشبه حالة الانفصام التي يمر بها عدد لا بأس به من أفراد المجتمع، وأبرزها حالة "التكابش" غير المفهوم التي نراها ونشاهدها يوميا عبر مواقع تواصل اجتماعي مختلفة، وما نقرأه من تشكيك وتشويش واتهام، بعيدا عن أية مساجلات ووجهات نظر وأفكار يمكن من خلالها بناء مجتمع راق متماسك.
عمليا، لا أحد ينكر أبدا أن حالة غير طبيعية من التشكيك واغتيال الشخصية والاتهامات غير المستندة لحقائق وألفاظ غير مقبولة وغوص في المحرمات، كلها وأكثر بكثير يمكن ملامستها عبر المتصفح الأزرق، أو أي موقع تواصل اجتماعي آخر، كلها تشتم فيها حالة احتقان غير معهودة وتشكيك في كل الأمور، فهناك نقد دائم ومتواصل لكل شيء، وهناك غضب من كل شيء.
المزعج أن الغضب والنقد غير مبني على أسس واضحة وسياق سليم، إذ لا غرابة أبدا أن ينتقد أحدهم فسادا هنا أو هناك، وفِي الوقت عينه يتمنى توزير قريبه ويدافع عن متهم بفساد أو محسوبية أو غيرها.
الطبيعي أن يكون النقد مبنيا على رؤى واضحة وسياق سليم، فلا يجوز أبدا أن يكون نقدنا محصورا في مناطق دون غيرها أو خارجا عن سياقه، كما لا يجوز أبدا أن يكون نقدنا بهدف اغتيال الشخصية أو الطعن بكرامات الناس وأعراضهم وحياتهم الشخصية.
الحقيقة التي لا يريد البعض الاقتراب منها هي، أن أطرافا مختلفة رعت ودعمت سابقا اولئك الذين شوهوا واقعنا الافتراضي،  ولم تلتفت، إن  كان ذلك سيرتد يوما على المجتمع بأكمله، وأن الوطن بكل تلاوينه سيعاني لاحقا جراء انفلات بعض المأزومين من عِقالهم والسماح لهم الدخول في حيوات بعض الناس والنيل منهم.
في ظل ذلك الواقع المشوه، لن نتفاجأ أن هنالك تشويها فكريا متعمدا، وتم زراعة أفكارا مسمومة بعقول أعداد هائلة من الناس حتى بتنا نرى اليوم عالما افتراضيا مليئا بالإشاعات والقيل والقال.
 وتفاجأ اولئك الذين اعتقدوا ، أن إطلاق الحرية للبعض لـ"عض" الناس، والنيل منهم، ومن كراماتهم وحياتهم الشخصية سيكون محصورا، ويمكن السيطرة عليهم لاحقا، فقد باتوا   يعرفون يقينا، أن ذلك التشويه ارتد على الجميع، ولم يعد بالمقدور السيطرة  على المسيئين، طالما اعتمدنا على ذات الوسائل السابقة، وطالما واصلنا غرس الرأس في الرمل والهروب من قراءة الأسباب التي أدت لما نحن عليه اليوم وتحميل المسؤولين عن ذاك المسؤولية الأخلاقية والوطنية عما فعلوه في حياتنا الخاصة.
هذا كله لا يعني أبدا أن يتم التضييق على حريات الناس وتقييد حقهم في التعبير والكتابة والقول، فالحرية شيء واغتيال الشخصيات والنيل من كرامتهم شيء آخر، لا يلتقيان أبدا ولا يمكن أن يصب أي منهما في جدول الآخر.
الحكومة عليها، أن تعرف أن واقعنا الافتراضي، لا يمكن أن يستقيم من خلال   التضييق على الحريات أو الذهاب باتجاه تعزيز الفكر المتشدد من خلال الانجرار خلف تغريدات أو حملات ضد هذا الفكر أو ذاك.
الأصل أن يكون الفضاء الأزرق مكانا لتبادل وجهات النظر باحترام دون تشنج، وأن يكون هذا جزءا من جهد مجتمعي لمعرفة ميول الناس ووجهات نظرهم، والسماح لهم بمساحات حوار راق وعقلاني هدفه الوصول للأحسن والأفضل.
أما البقاء بهذا الشكل السلبي والمشوه، والمراجدة غير الفاعلة، فإننا سنكون أمام واقع سلبي يؤثر على كل شخص يحمل فكرا محترما، ويطمس كل فكرة إصلاحية الهدف منها الوصول للخلل ومعالجة مكامن الفساد المستشري.

عن الغد الاردنية