النجاح الإخباري -  

كتب رئيس مجلس النواب الأردني السابق، عبد الهادي المجالي، مقالًا، تحدث فيه عن صمود وصبر غزة، خاتمًا مقاله بتساؤل، قائلاً: "خذوني إلى شواطئكم قليلاً يا أهل غزة، أريد أن تعطر الكرك الساكنة قلبي.. جدايلها من ماء بحركم، فهل تقبلون منا ذلك؟".

وننشر لكم مقال عبد الهادي المجالي كما جاء.

لايوجد في غزة مطار، ولا يوجد أسواق مالية.

ولا أظن أن فيها (مولات) تشبه ما هو موجود في عواصم العالم العربي.

وحين تبحث عنها في الخارطة تجدها أصغر من.. مدينة الاسكندرية، وتجدها... وربما أصغر من محمية طبيعية للغزلان أقيمت في دول الفائض المالي.

لكنها مدينة عجيبة وغريبة، فهي الوحيدة في العالم العربي التي قدمت شهداء من كل الأصناف، قدمت أطفالا وقدمت (معاقين) وكبار سن.

هي الوحيدة في العالم التي لايوجد فيها مواصفات للشهيد

(فالكل هناك مشروع شهيد).

كل المدن في العالم يصلها الغذاء والدواء والطعام، عبر وسائل النقل وفي وضح النهار.

غزة المدينة الوحيدة التي احترفت بناء الأنفاق.. وصارت المدينة الوحيدة في العالم التي تستورد الغذاء والدواء والحب.. حتى الحب عبر الأنفاق.

العالم كله يسكن فوق الأرض.. إلا غزة فما هو فوق الأرض لهم وما هو تحت الأرض لهم أيضاً.

وتسأل أحيانا.. المعابر المصرية مغلقة، وإسرائيل تحكم حصارها والبحر أيضاً مغلق، والجو مراقب.. وتستطيع إسرائيل أن ترصد لون قمصان الناس هناك، ودرجة حرارة أجسادهم، وألوان عيونهم.. وتشعر بالصدمة، حين يعرض لك الإعلام مسيرة اندلعت في مخيم الشاطيء، وفجأه يظهر واحد من أبناء المخيم، وهو يحمل بندقية (م 16) محسنة ومن آخر طراز، ومركب عليها نظام ليزر.. ورؤية ليلة.. (عقول).

تستغرب في داخلك وتقول: البحر مغلق والبر مغلق والجو محاصر.. هل ابتكر أهل غزة طريقاً رابعة غير التي نعرفها..؟

أظن أن غزة هي المدينة الوحيدة على هذا الكوكب، والتي لديها وسيلة نقل رابعة غير البر والبحر والجو... وغير النفق أيضاً.. ربما مع السماء

ومع كل هذا الشقاء، ينتجون فناً عبر رمل الشواطئ.. ويندلع الحب هناك على المرافئ.. ويتفنون في إيصال رسائلهم للعالم.. ويصلون الجمعة بكل خشوع، ويخرجون في المسيرات بحشود هائلة .. وينتجون (الشطة) بكميات هائلة.. ومثلما يحبون الشهادة، يعشقون الحياة أيضاً.

غزة ظاهرة تحتاج إلى تأمل.. فهي قارة وليست قطاع.. من قال إن غزة قطاع، أو محافظة، هو مخطئ.. (هي قارة) فيها فصل خامس غير الفصول التي نعرفها، واسمه فصل الحصار.

غزة.. قارة .. لأن فنون الموت هنالك متعددة.. فإسرائيل تبتكر كل يوم شكلاً للموت.. وهم كل يوم يبتكرون شكلاً للحياة والمقاومة .. فمن يوظف الكاوتشوك في المعركة.. أظنه عبقري وخارج طبيعة البشر.

غزة قارة.. فقلوب الناس هناك تنوب عن كل شعوب العالم العربي في القتال.. فعلى السلك الشائك، يقاتل الغزي نيابة عن الموريتاني والجزائري واليمني والسعودي.. وكل العرب.

المساحات ليست بالجغرافيا بل تقاس باتساع القلب، ولا أظن أن هنالك قلوباً أكثر اتساعاً من قلوب (الغزازوة).

وغزة أيضاً أكبر من دولة، مثلاً خذوا أكثر دولة رفاهاً في العالم وهي سويسرا، هل قدمت سويسرا.. شهداء بحجم ما قدمت غزة؟ طبعا لا.

هل ابتكرت سويسرا فنوناً للمقاومة بحجم ما ابتكرت غزة؟

أظن أن سويسرا أبدعت في إنتاج الساعات التي تقيس الزمن وتعطينا التوقيت.. غزة أصلاً لا تحتاج للساعات لأنها هي التي تصنع الوقت.

خذوا أمراً آخر.. وهو الفائض.. سويسرا مثلا فيها فائض مالي هائل.. ولكنه قابل للزوال عند أي أزمة مالية.. بالمقابل غزة فيها فائض بشري هائل.. وبالرغم من كل الأزمات والقتل والذبح والقصف، يزداد هذا الفائض ويزداد عدد السكان.

غزة ليست مدينة ولا دولة وأكبر من قارة.. غزة أظنها أسطورة وضعها الله على الأرض؛ كي يتعلم منها العالم.. أن (الإرادة والإيمان) وحدهما قادران على هزيمة إسرائيل.

خذوني إلى شواطئكم قليلاً يا أهل غزة، أريد أن تعطر الكرك الساكنة قلبي.. جدايلها من ماء بحركم فهل تقبلون منا ذلك؟