منال الزعبي - النجاح الإخباري - تتداخل الأدوار بين المثقف والسياسي إذ تتكاتف جهودهما لأجل الصالح العام، فللقلم بالغ الأثر في النفوس سواء أسطّر مقالًا، أو نسج رواية، أو فاض شعرًا، وقد برزت شخصيات فلسطينية  نبضت في الداخل المحتل وأثمر إبداعها في الانتاج الأدبي والسياسي والفكري والفني.

منهم ريم البنا المقاتلة الفلسطينية التي واجهت الاحتلال بمجهود فرديّ بحنجرتها ولمستها الفنية المميزة أحيت فيها أغنيات تراثية بطابع فلسطيني بحت.

صوتها قادم من الناصرة عاصمة الجليل حيث رأت عيناها النور في أواسط ستينات القرن العشرين، ومن أمها الشاعرة زهيرة الصباغ رضعت حليب المقاومة والصمود.

اختارت الفنانة الفلسطينية  ريم البنا أن تهب صوتها للتعبير عن كل ما اختزلته مخيلتها من صور وألوان ووقائع عاشتها في طفولتها.

وظَّفت كلَّ المعارف الفنية والموسيقية، و دمجتها مع الأهزوجة الفلسطينية  والتهاليل التراثية فقدمتها بنكهة الموسيقى العصرية.

اختصت في التعبير عن وجع الوطن كما غنت للأطفال. وجمعت بين الغناء والتلحين، شهرتها بدأت من البوم جفرا ودموعك يا أمي.

هاجمها المرض وحرمها الغناء فكتبت لجمهورها رسالة مؤثرة تقول فيها “صوتي الذي تعرفونه توقف عن الغناء الآن أحبتي، وربما إلى الأبد. "وقالت متحديةً الوجع": ما أعرفه هو أنَّني سأظل أقاوم واجتهد ..من أجل الحرية. "

وكان القدر لها بالمرصاد ليضع في طريقها محتلًا آخر خبيث، هو مرض السرطان الذي أرداها فرحلت ريم البنا في 24 مارس 2018 بعد صراعٍ طويل مع سرطان الثدي، حيثُ كانت قد أُصيبت به منذ تسع سنوات، وأعلنت توقفها عن الغناء في 2016.

آخر منشور كتبته على صفحتها :

بالأمس .. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي ..

فكان علي أن أخترع سيناريو ..

فقلت ...

لا تخافوا .. هذا الجسد كقميص رثّ .. لا يدوم ..

حين أخلعه ..

سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق ..

وأترك الجنازة "وخراريف العزاء" عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام ... مراقبة الأخريات الداخلات .. والروائح المحتقنة ...

وسأجري كغزالة إلى بيتي ...

سأطهو وجبة عشاء طيبة ..

سأرتب البيت وأشعل الشموع ...

وانتظر عودتكم في الشرفة كالعادة ..

أجلس مع فنجان الميرمية ..

أرقب مرج ابن عامر ..

وأقول .. هذه الحياة جميلة ..

والموت كالتاريخ ..

فصل مزيّف ..

كانت ريم على الدوام بنت الأرض الطاهرة، التي أنجبت المسيح الناصري 'الناصرة'، أحييت الأغنية الفلسطينية.. حاضرة دوماً للدفاع عن الهوية الوطنية الفلسطينة.. لتغدو رمز الوطنية الفلسطينية.

الشاعرة زهيرة الصباغ والدة ريم البنا تنعي ابنتها:

«رحلت غزالتي البيضاء، خلعت عنها ثوب السقام، ورحلت، لكنَّها تركت لنا ابتسامتها، تضيء وجهها الجميل، تبدد حلكة الفراق».

يبقى هذا شعب فلسطين الصابر صبر الخشب تحت مناشير الاحتلال ينبت الإبداع من بين يده ومن خلفه ألواح صبر شائكة تقاوم المحتل  بالحجر والشعر والحناجر.