إسراء بشارات - بمشاركة منال الزعبي - النجاح الإخباري - في منطقة البقيعة بالأغوار الشمالية، يزرع المواطن خالد حمدان  "45 عامًا"  قرابة (15) دونمًا بأصناف متنوعة من الخضار على مدار العام، يدخل مزرعته كلَّ صباح ليتفقد ما نضج من ثماره، ويروي ما تبقى من المحصول بمرش صغير يحوي خليطًا من مواد كيماوية نصحه بها جاره المزارع؛ ليسارع عملية نضج الثمار، فعمل بنصيحة جاره دون انصياعه لتعليمات الأمان وجهله بخطورة هذه المبيدات.

ويقول حمدان: "نحن الآن في فصل الشتاء  و نتكبد أضرارًا كبيرة سنويًّا في هذا الفصل، بسبب تشكل الصقيع والرياح القوية التي تلفح مزروعاتنا وتتلفها،  لذلك  نستخدم أنواع مختلفة من المبيدات الزراعية لحماية المحصول و لتسريع عملية نضج الثمار، نشتري بعضها من الأسواق الفلسطينة والبعض الآخر يتم شراؤه من المستوطنات القريبة وبأسعار مناسبة للجميع نظراً لإرتفاع  ثمنه في الأسواق الفلسطينية.

ويضيف حمدان منتقدًا تقصير وزارة الزراعة في تقديم الإرشادات الزراعية للمزارعين في منطقة الأغوار: " منذ فترة طويلة لم يصلنا أحد من وزارة الزراعة، نحن نستخدم المبيدات الزراعية بناءً على خبراتنا السابقة في الزراعة، ولكن هذا الشي لا يغني عن ضرورة وجود مرشد زراعي يقدم لنا النصح والإرشاد بين الفينة والأخرى حول استخدام المبيدات. "

وفي السياق ذاته يقول المزارع أ.م : "صرلي فترة بشتغل في زراعة البندورة في الدفيئات الزراعية، في كثير من الأحيان يلجأ صاحب (الحمموت)  لاستخدام بعض المبيدات الزراعية مثل (نيرون، مارشال، بيرات، كنفدور)، حبة البندورة  بتكون صغيرة  في المساء  بنحطلها خميرة لتكبر في زمن قياسي وداخلها بضل فارغ، الصبح بنلاقيها كبيرة ولونها أحمر بنتركها مدة (13) ساعة  حتى يروح مفعول المبيد وتصبح غير سامة وبنقطفها ونبيعها، وبعض المزارعين يستخدم المبيدات الزراعية حسب حاجاته ولكن منهم من يسرف بذلك  خاصة في وقت ارتفاع أسعارها."

ويشير المزارع أ.م  إلى أنَّ هناك مزارعون  يخصصون محاصيل معينة لعائلاتهم، لا يرشونها بالمبيدات الحشرية، حفاظًا على صحة عائلاتهم.

في حين يحذِّر خبراء ومختصون في  وزارة الصحة من سوء استخدام المبيدات الزراعية في الضفة الغربية خاصة في منطقة الأغوار، لما لها من أثر كبير على صحة المواطنين في ظلّ غياب الرقابة والمتابعة الحقيقية لما يتم استخدامه في الأسواق الفلسطينية من هذه المواد الخطيرة، التي قد تكون أحد أسباب ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة وعلى رأسها السرطان.

من جانبه يقول رائد بشارات مهندس زراعي في وزارة الزراعة: "وزارة الزراعة بدأت بتقليص عدد المواد الفعالة للمبيدات الزراعية المسموح بتداولها في فلسطين من حوالي (400 -200) مادة، كذلك تم تعريب بطاقة البيان لعبوات المبيدات الزراعية باللغة العربية ليستطيع المزارع قراءتها والانصياع لتعليمات الأمان ."

ويضيف بشارات: "إنَّ المبيدات المسموح تداولها في فلسطين محدودة، وهي ذات فترة أمان بسيطة، وأي مبيد يجرى منعه عالمياً يتم منعه أيضاً في فلسطين، ولكن المشكلة تكمن في تهريب المبيدات من إسرائيل، وهذه المبيدات المهربة التي يجري استخدامها قد تهدد صحة المستهلك، لكن الوزارة ضمن إمكانياتها تحاول وضع حد لاستخدام تلك المبيدات، وتسعى لضبط هذه العملية."

 وينفي بشارات اتهامات المزارعين في الأغوار بعدم تلقيهم أيَّ نوع من الإرشاد والنصح في طريقة عملهم، ويقول: "لا يسمح بتداول أي مبيد زراعي دون ختم من وزارة الزراعة، كذلك تقوم الوزارة سنوياً بترخيص محلات بيع المواد الزراعية ويشترط وجود مهندس زراعي يعمل كموظف  في كلّ محل."

المبيدات المهربة.. رأس الأفعى

يقول المقدم القانوني في الضابطة الجمركية  أحمد بشارات: "من ناحية التهريب، هناك مجموعة من المزراعين وبطريقة خفية يقومون بتهريب بعض هذه الأدوية إلى الضفة بسبب عدم وجود معابر محددة للسيطرة عليها، فمن الصعب السيطرة على جميع المعابر الفاصلة بين الضفة و إسرائيل وخاصة المعابر الواقعة في المنطقة(ج) حيث من الصعب الحصول على  تنسيق بين السلطة والاحتلال."

 

ويضيف بشارات: "تمَّ  ضبط عدة حالات تهريب إلى الضفة، وتمَّ إحالتها إلى وزارة الزراعة وإلى نيابة الجرائم الاقتصادية كونها ممنوعة التداول، وكل من يتم ضبطه تتم إحالته إلى النيابة العامة وتكون العقوبة في الغالب بتغريمه ماليًّا."

ويؤكّد  المقدم أحمد أنَّ الضابطة الجمركية وبالتعاون مع  دوائر الزراعة التابعة للوزارة  تقوم بدورها في متابعة ترخيص وإدخال المبيدات، لكن هناك تعليمات موسومة على عبوات المبيدات، تقع على عاتق المزارع مسؤولية متابعتها مع دوائر الإرشاد لفهم تركيبة المبيد وفترات الأمان، ليتسنى له استخدامه بشكل جيد، ولا يضر بصحة المواطن.

ويرى أنَّ الحل يكمن أولًا في ضبط سوق الكيماويات ومنع التهريب، ثمَّ إرشاد المزارعين وتوعيتهم حول كيفية استخدام المبيدات بشكل آمن، فلا يمكن تحميل المزارع مسؤولية تهريب الكيماويات وسوء استخدامها.

وتشير دراسات أجرتها وزارة الصحة في العشر أعوام  الأخيرة إلى أنَّ السرطان هو ثاني مسبب للوفاة في فلسطين، وهذا مرده بالدرجة الأولى للغذاء الذي يتناوله الإنسان، وأنَّ هناك علاقة مباشرة بين استخدام المبيدات وتزايد حالات الوفاة بالسرطان، وتطالب الصحة الجهات الرسمية بالتدخل السريع للحدّ من السمّ القاتل الذي يستخدم بالزراعة.

يبدي المواطن حسن محمود رأيه بالمنتجات الزراعية المتوفرة في  الأسواق الفلسطينية ويقول: " بصراحة احنا فقدنا الثقة بالمنتجات الزراعية من كثر انتشار حالات الإصابة بالسرطان، والإشاعات المتداولة  بين الناس عن بعض المبيدات الزراعية المستخدمة والتي تسبب الكثير من الأمراض."

 ويضيف " زمان كان للخضرة طعم ولون وريحة بتشمها عن بعد، أمّا اليوم الشمام مثلًا بتتوهم ع حجم الحبة بتلاقيها صفرة باهته ولا طعم ولا نكهة."

يقول د.خضر أحمد أحد موظفي مديرية الصحة في محافظة طوباس: "لا يوجد في فلسطين نظام خاص لفحص الخضار والفواكه المنتجة محليًّا والمسوقة وطنيًّا، للتأكد من خلوها من المبيدات الزراعية التي قد تسبب أمراضًا في حال الإفراط باستخدامها."

ويضيف د.خضر: "على وزارة الزراعة توعية المزارع بطرق استخدام هذه المبيدات، ومراقبة أساليب استخدامها ومدى التزامهم بالشروط المطلوبة لاستعمالها، فالوزارة تهتم بالسلامة الغذائية وتعتبرها الجبهة الوقائية لسلامة المواطن،  ولا شك أنَّ لها دور كبير في انتشار السرطان بسبب التلوث الكيميائي الناتج عنها."

ولفت خضر إلى أنَّ بعض الفحوصات المخبرية أثبتت وجود كميات كبيرة من المواد الكيميائية في بعض المواد الزراعية المصنعة، خاصة في منطقة الاغوار.

ويذكر خضر بأنَّ هناك قرار من مجلس الوزراء بتشكيل فريق لوضع إستراتيجية لسلامة الغذاء، وأكَّد أنَّ وزارة الصحة ماضية في هذا الاتجاه، وأعرب عن أمله بأن ترى هذه الاستراتيجية النور خلال العام الجاري، وهي وطنية وليست خاصة بوزارة معينة.

تجدر الإشارة إلى أنَّ محافظة طوباس والأغوار الشمالية تعتبر أكبر منطقة زراعية في الضفة، والتي تشتهر بزراعة البندورة والخيار والبطاطا والكوسا والكثير من الخضار والفواكه و يطلق عليها (سلة فلسطين الغذائية).