ناجي شراب - النجاح الإخباري - لا يكفي القول أن الفلسطينيين لديهم خيارات وإستراتيجيات كثيرة ومتنوعة ومتعددة، فالتشتت والتعدد في الخيارات قد يجهض الجهود والنضالات التي تبذل، وهذا ما حدث فعلا على مدار أكثر من سبعين عاماً من التضحيات البشرية. ولا يكفي الحديث بخطاب خيالي مثالي غير واقعي، فأسهل شيء أن نقول أننا نريد كل شيء ولا نحقق أي شيء. الخيار الأساس يكون قابلا للتحقيق عبر أهداف واضحة وخطوات مدروسة وممنهجة توصل كل مرحلة للمرحلة التي تليها.

وقبل الحديث عن هذا الخيار، لا بد من الإشارة الى ان أحد أهم الأخطاء التي وقع فيها الفلسطينيون انهم لم يتفقوا على هذا الخيار الرئيسي الذي تحشد له كل الإمكانات.

ومهما كانت محدودة فهي كفيلة أن تحقق الهدف منها. ففتح لها خياراتها، وحماس لها خياراتها البعيدة، وكل فصيل له خياراته. وهنا الإشكالية الكبرى، الدوران حول نفس المكان, ووفقا لقانون التحرر الذي حكم كل حركات التحرر العالمية كان يكفي سبعون عاما لكي يحقق الفلسطينيون خيارهم الرئيس، لكن المشكلة هذا الخيار لم يكن متفقا عليه. في يقيني هذا الخيار الأساس هو خيار الدولة الفلسطينية، وخيار الإعتراف بها من قبل المجتمع الدولي.

أولا كحقيقة تاريخية، وحقيقة قانونية شرعية، وكحقيقة بشرية جغرافية.

والتأكيد منذ البداية أن عدم قيام الدولة الفلسطينية لم يكن سببه تقاعس الفلسطينيين ورفضهم لكل أشكال الاحتلال بما فيه الإحتلال الإسرائيلي الأخير، وأن سبب عدم قيام هذه الدولة كان الإستعمار بكل أشكاله التاريخية وصولا لبريطانيا التي عمدت إلى عدم قيام فلسطين الدولة، والتمهيد لقيام إسرائيل الدولة، وان سببه أيضا الفشل الدولي حتى الآن في عدم ترجمة قراراته إلى واقع سياسي تحت إسم دولة فلسطين.

ففلسطين وجدت منذ التاريخ، وكتب عنها هيردوت ووصفها بالمدن الفلستية حيث عاش «الفلستيون» فيها في القرن الثاني عشر.

هذا وأطلق إسم فلسطين في القرن الثاني الميلاي بحدود سياسية معروفة في أعقاب إسقاط الإمبراطورية الرومانية ولاية يهوذا عام 132 للميلاد. وعرفت فلسطين في عهد الخلافة الإسلاميه بجند فلسطين بحدودها التاريخية من البحر إلى النهر، وهذا ما أكدته العديد من الوثائق. إلى أن تدخل فلسطين أصعب مراحلها التاريخية لما قررته من مصيرها السياسي، وهي مرحلة الإنتداب السيطرة والهيمنة البريطانية، ولتوضع تحت الإنتداب البريطاني عن قصد، حتى يتم تحقيق وتنفيذ وعد بلفور بقيام إسرائيل كدولة.

وتمهيدا للإعتراف بها دولة يهودية، وطوال سنوات الإنتداب تم تسهيل تنفيذ هذا الوعد بتسهيل ملكية الأرض، وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وصولا لقرار الأمم المتحده الشهير رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين، وفكرة التقسيم هذه لم تكن الأولى ففي أعقاب الثورة الكبرى عرضت لجنة بيل تقسيم فلسطين إلى كيانين يهودي وعربي، وذلك عام 1937، وإقتراح لجنة وودهد بقيام فيدرالية لدولة واحدة، ولم تنجح هذه المشاريع، في حينه لأن الحركة الصهيونية لم تحقق كامل سيطرتها، وفلسطينيا كيف يقبل بمشاريع تحول الفلسطينيين إلى أقليات وهم الأغلبية, وكان قرار التقسيم المذكور الذي ما زال يعتبر أساسا في المطالبة بالإعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وهذه المطالبة تعتبر تنازلا كبيرا من قبل الفلسطينيين.

وينبغي أن يقدم هذا التنازل على انه من أجل السلام والأمن والإستقرار للمنطقة والعالم. وقرار التقسيم الذي رفضه العرب والفلسطينيون، وكان هذا أمرا متوقعا من الحركة الصهيونية وبريطانيا، خصص حوالي 55 في المائة من مساحة فلسطين لدولة يهودية، وحوالي 44 في المائة لدولة عربية، والقدس بكاملها تحت الوصاية الدولية.

وهنا تستوقفني نقطة مهمة: ان الفلسطينيين والعرب رفضوا القرار لأنهم كانوا يشكلون الأغلبية السكانية، ويمتكلون أكثر من تسعين في المائة من الأرض. وهنا لايعني هذا الرفض وهذا هو المهم إسقاط مشروع القرار لأن هذا القرار إستندت إسرائيل عليه لقيامها كدولة، وعليه لا يمكن تجزئة القرار. ومن ثم يشكل القرار أحد الركائز التي يقوم عليها الموقف الفلسطيني.

وقانونيا الدولة الفلسطينية تسندها العديد من قرارات الشرعية الدولية التي قد أكدت في مجملها على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وقيام دولتهم المستقلة. وبقبول فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة وإنضمامها للعديد من المنظمات الدولية. وبناءً على هذه الرؤية التاريخية والقانونية والدولية على الفلسطينيين ان يركزوا على خيار الدولة كخيار أساس، وأن يتوحد الهدف السياسي حول هذا الدولة.

وقيام هذه الدولة يتطلب إنهاء الاحتلال، والذي في أحد أبعاده مسؤولية دولية، وفي الجانب الآخر مسؤولية فلسطينية.

المطلوب فلسطينيا تبني هذا الخيار كأساس لحراكهم السياسي ، وتحديد الاليات والإستراتيجيات التي توصل لهذا الهدف. وأحد هذه الاليات مطالبة الدول إلى ترجمة سلوكها السياسي في الأمم المتحدة إلى الإعتراف الصريح بفلسطين كدولة وعاصمتها القدس الشرقيه. والآليات الأخرى النضال السلمي على الأرض، وتوسيع هذا النضال على مستوى مؤسسات المجتمع المدني الدولي، وإستراتيجية ديبلوماسية وإعلامية حاضنتها عربيا وإسلاميا والدول الصديقة لإبراز مظاهر الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يتطلب التركيز على أن إسرائيل دولة إحتلال، هذا مهم في هذه الإستراتيجية، وإبراز الجانب العنصري فيما تقوم به إسرائيل من سياسات ضد الفلسطينيين, وضرورة التركيز على جانب الطفولة الفلسطينية المعتقلة.

وهنا قصة عهد التميمي وغيرها ينبغي ان تتحول إلى نموذج عام شامل، وتصل لكل بيت ولكل طفل في العالم.

قد يقول قائل ان هذا الخيار لم يعد قائما، هذا غير صحيح، دولة فلسطينية بسندها التاريخي والقانوني والسياسي لا بد أن ترى النور في النهاية مهما بعد هذا النور فسيأتي اليوم الذي ينير أرض الدولة الفلسطينية.