د. محمد المصري - النجاح الإخباري - حاجز قلنديا حاجز غير إنساني، آتٍ من عصور ماضية، وذاهب إلى عصور مظلمة أيضاً، هذا حاجز عنصري بامتياز، بالإسمنت العاري والكالح والفظ، الذي يدّعي حماية ما لا يمكن حمايته، فالجدران العالية لم تحمِ شيئاً أبداً، ولا حتى سور الصين العظيم ولا سور برلين ولا سور ماجينو ولا سور بارليف، كل الأسوار تسقط، لأنها تسقط مع فكرتها ومرجعيتها.

ما أن توجهت وصديقي الدكتور كمال الشرافي، رئيس جامعة الأقصى، والدكتور الروائي أحمد رفيق عوض، لتقديم واجب العزاء للشيخ عكرمة صبري بوفاة ابنه عبادة، حتى كان علينا أن نجتاز حاجز قلنديا، ولا أزيد هنا على ما يرى المرء عندما يواجه هذا الحاجز بازدحامه وصراخه وعشوائيته وقسوته وتجاوزاته، كان المحتل، وما يزال، يهدف من وراء هذا الحاجز إلى خنق الضفة الغربية بعنق الزجاجة هذا، هذا الحاجز لم يتم إنشاؤه بهذا الشكل إلا لعملية الضبط والسيطرة، إن إبقاء أو حشر الفلسطينيين وإجبارهم على المرور من هذا الحاجز، إنما يعني السيطرة الكاملة على حركة الفلسطينيين وتجارتهم وتواصلهم، وبالتالي دولتهم.

المهم، وقفنا في طابور طويل مقبول ومستطاع، كان هناك أطفال وحوامل وعجائز، كلنا وقفنا أمام بوابات لولبية فيها أذرع من حديد وفولاذ، لا تفتح إلا من قِبل جندي لا يُرى، وهو جندي لا يعرف أحد إلا من مزاجه، وكيف يوقّت فتح البوابة اللئيمة المعادية، ومتى تلتف هذه البوابة ومتى تتوقف عن العمل، ولا نسمع إلا صوت نسائي صارخ يلقي تعليمات بالكاد يمكن فهمها، انتظرنا طويلاً ونحن نستمع إلى صرير البوابة الكريه وغير المتواصل، وإلى صراخ المجندة في وجه مجهولين، ولما فُتح لنا، ألقينا بأجسادنا إلى البوابة ذات الأذرع الحديدية، التي تشعر معها بضآلتك وقلة أهميتك، وما أن تخرج منها حتى تتلقفك بوابة أخرى أكثر لؤماً وإهانة، ثم تمر في طريق ضيقة مؤلفة من قضبان حديدية أخرى، تحد من حريتك وتقلل فضاءك وتعطيك إحساساً بعدم الأهمية تماماً، ثم تواجَه ببوابة أخرى إلكترونية تطلب منك التعري الجزئي، فعليك أن تخلع نعليك أو حزامك أو كليهما، وقد تخلع أكثر من ذلك إذا ظلّت البوابة تصيح أو تتوجع، وعليك أن تضع كل ما تحمل على حزام جلدي أسود ليمر من أمام كاميرا تلفزيونية يمكنها تحديد أن ما تحمله ليس ضاراً ولا مهدداً ولا ساماً ولا يؤثر على سلامة الجمهور، وبعد أن "تَنْفُذ" بجلدك من هاتين الماكينتين، فإن عليك أن تواجه جندياً أو مجندة تجلس خلف زجاج سميك ولكنه شفّاف، ليفحص أوراقك الثبوتية، وإذا كان حظك جيداً فقد يرمقك بنظرة حسنة، وإلا فإنه يأمرك بطرف عينه إما بالمرور أو العودة أو المزيد من التفتيش إذا لم يكن حظك جيداً.

المهم هنا، أنك تتحرك طيلة الوقت بين قضبان حديدية وجدران إسمنتية وألواح زجاج سميكة، وكاميرات فوق رأسك وحولك، كل هذا من أجل أمن مفقود.

الصحيح، ورغم الإهانة المتكررة، ورغم التوجس، إلا أنني ومن أعماقي أدركت أن هذا الخوف لن يؤدي إلى نتيجة، وأن هذه الجدران وهذه الحواجز وهذه القضبان، لن تمنح إسرائيل الأمن والأمان، إن كلمة السر في ذلك كله، أن تغير إسرائيل سياستها تجاهنا، أن تعاملنا كبشر لهم أحلامهم وآمالهم، عندئذ لا داعي إطلاقاً لكل هذا الحديد والإسمنت.