نابلس - النجاح الإخباري -  يعتبر جيش الاحتلال الإسرائيلي قرار السيطرة على قطاع غزة الذي اتخذه الكابينت أخيراً، نوعاً من التوافق الهجين بين الموقف المهني للقيادة العسكرية، والضغط من جانب اليمين المتطرف، وفق ما ذكرته صحيفة معاريف العبرية، اليوم السبت.

وتحدثت الصحيفة عن أنّ الجيش لا يعلّق آمالاً واسعة على هذا القرار، إذ تنقل عن ضباط عسكريين شكّهم الكبير حيال تنفيذ السيطرة والاستيلاء، وما إذا كانت خطوة كهذه ستخرج إلى حيّز التنفيذ في نهاية المطاف.

وطبقاً للصحيفة، فإنّ الجيش شرع في صياغة الخطة العملياتية لتوائم قرار المستوى السياسي، لكن حتّى الآن، لا تزال أجهزة الأمن تحذّر من ثغرات عدّة ينطوي عليها القرار، وأبرزها؛ الخطر الداهم على حياة المحتجزين، والخطر على الجنود بسبب إمكانية تعريضهم لهجمات حرب العصابات، والتآكل الجسدي والنفسي الكبير في صفوف قوات الجيش النظامية والاحتياطية، فضلاً عن التبعات السلبية على مكانة إسرائيل في العالم.

القرار المذكور أتى بعد أسبوع مضطرب، استدعى خلاله رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يوم الثلاثاء الماضي، رئيس الأركان إيال زامير، لاجتماع "لم يكن سهلاً"، وفق وصف الصحيفة. وفيه، شارك إلى جانب نتنياهو، كل من وزير الأمن يسرائيل كاتس، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي. وخلال الاجتماع، أوضح رئيس الأركان أن جيشه أنهى عملية "مركبات جدعون".

وفي الصدد، لفتت الصحيفة إلى أنه يتعالى إحباط كبير داخل المؤسسة العسكرية، لأنّ الجيش دفع حركة حماس (بفعل الضغط العسكري) إلى طاولة المفاوضات، في وقت أصرّ المستوى السياسي على تضييع الفرصة، وتحويل الإنجازات العسكرية إلى مكاسب سياسية ينهي بموجبها الحرب.

وخلال المداولات التي انعقدت، عرض رئيس الأركان خطة تطويق مدينة غزة ومخيّمات الوسط، باعتبارها خطة هجومية تشمل استخداماً كثيفاً للنيران، مع استغلال وتعزيز الإنجازات العسكرية التي حُققت حتى الآن، من أجل توجيه ضربة كبيرة لما تبقى من القوة العسكرية لـ"حماس" في غزة.

وزعم جيش الاحتلال أنه في مدينة غزة ومخيّمات الوسط، تبقت لـ"حماس" قوة عسكرية بحجم لواء، وأنها محصّنة جيداً تحت الأرض. وتقوم طريقة قتالها، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مصدر عسكري، على أسلوب حرب العصابات: الخروج من تحت الأرض لزرع عبوات ناسفة، وإطلاق قذائف "آر بي جي" على دبابات وآليات مدرعة تابعة للجيش، والقنص، أو شنّ هجمات مركّبة على قوات الجيش الموجودة في مناطق الاحتشاد (نقاط التجمع).

وفقاً للخطة التي استعرضها رئيس الأركان، ستقوم القوات بتطويق المنطقة مع السيطرة عليها، وتنفيذ هجمات بتوقيت ومكان يحدّده الجيش. لكن نتنياهو عارض ذلك في اجتماع الكابينت، وطالب رئيس الأركان بإعداد خطة لاحتلال قطاع غزة، تقوم أساساً على احتلال مدينة غزة نفسها، ومخيّمات الوسط، مع دفع نحو مليون من سكان غزة إلى منطقة المواصي في جنوب القطاع.

وعلى خلفية ما تقدّم، عكفت شعبة العمليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، انطلاقاً من فجر يوم الأربعاء وحتى مساء الخميس، على إعداد خطة احتلال غزة. وقد شملت مكوناتها تعبئة واسعة لجنود الاحتياط، وفرض طوق على مدينة غزة، مع تمركز قوات الجيش في مناطق تتيح نسبياً حماية جيدة للقوات، ومن جهة أخرى تمنع مقاتلي "حماس" من التحرّك بحريّة.

وخلال المداولات التي انعقدت في الكابينت، أجرى نتنياهو تغييراً، إذ قرر عدم تنفيذ طوق ولا احتلال، بل استيلاء. وبموجب الخطة التي دفع بها نتنياهو وأقرّها الكابينت في ختام مداولاته، تقرر إنشاء 12 مركزاً لتوزيع المساعدات الإنسانية، على غرار مراكز التوزيع الأربعة العاملة حالياً في رفح.

وطبقاً للصحيفة، فإنه عقب إقامة هذه المراكز، سيبدأ الجيش مباشرة بتنفيذ عملية هجومية تقوم على التقدم تحت النيران نحو نقاط السيطرة في المنطقة، التي تشمل مفترقات رئيسية، ومعابر، ومواقع استراتيجية، ومراكز قيادة، ومناطق مرتفعة، وغيرها. أمّا كيف سيبدو ذلك بالضبط؟ فإن الجواب، بحسب الصحيفة، هو ما تُعدّه حالياً قيادة المنطقة الجنوبية، والاستخبارات العسكرية "أمان"، والشاباك، وشعبة العمليات. وشدّدت على أن التقديرات الحالية تشير إلى أنّ بناء 12 مركزاً لتوزيع المساعدات سيستغرق من أسابيع إلى أشهر.

وفي الإطار، زعم مصدر عسكري إسرائيلي أنّ "قيادة المنطقة الجنوبية أدت عملاً ممتازاً في إنشاء أربعة مراكز توزيع بعدما سوّت الأرض باستخدام الجرافات والبلدوزرات. وقد أنجزت ذلك في وقت قياسي خلال بضعة أسابيع"، مشيراً إلى أن بناء 12 مركزاً آخر "يُعد أكثر تعقيداً"، مشككاً في أن يتمكّن الجيش من تحديد مساحات واسعة لبناء هذه المراكز.

وطبقا لتقديرات الجيش، فإنّ عملية السيطرة، بتعريف نتنياهو، ستُنفذ فقط مع اقتراب الخريف، وتحديداً في الفترة الممتدة ما بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، وسط تشكيكٍ بإمكانية تنفيذ الخطة برمتها، لما تنطوي عليه من ثغرات؛ إذ بحسب مصدر عسكري، فإنّ "قضية الأسرى هي مسألة أخلاقية بالنسبة للجيش. لا يمكننا تعريض مدنيين اختُطفوا من منازلهم للخطر، من أجل الدفع بخطوة عسكرية إلى الأمام".

ولكي ينفَّذ الجيش المخطط المذكور، سيضطر إلى استدعاء ما لا يقل عن ستّ فرق احتياط؛ أي ما يعادل نحو 250 ألف جندي. وبحسب مصدر عسكري، للصحيفة، فإنه "من الواضح لنا منذ الآن أنّ نسب الامتثال لن تكون عالية. فنحن ندرك جيداً الأزمات (التي يعاني منها الجنود)، والاستنزاف في صفوف القوات المقاتلة في الجيشَين النظامي والاحتياطي وعائلاتهم، فضلاً عن التآكل والاستنزاف في صفوف عناصر الخدمة الدائمة"، وأقرّ بأنه "لدينا عدد لا بأس به من قادة الكتائب الذين يجدون صعوبة في الاستمرار، وعائلاتهم تنهار. وهذه المشكلة موجودة في الجيش كله، في جبهة القتال وفي الجبهة الداخلية".

وتابع المصدر العسكري أن "هناك عائلات تنهار وتتفكك، ونحن نقاتل من أجل إبقائهم صامدين. الآن، الدخول في قتال مكثف يعني زيادة الأعباء وفرض المزيد من المهام عليهم، ومزيد من النشاط الذي لا ينتهي"، واعتبر أنه "على المستوى السياسي أن يفهم أن هناك استنزافاً هائلاً. بعد عامين من الحرب، هناك إنهاك للناس، للعائلات، للمعدات، وللأدوات. نحن مضطرون أيضاً للنظر إلى الأمام، أي إلى السنوات المقبلة. لا يمكننا استنزاف كل شيء هنا والآن، دون التفكير في ما سيكون عليه حال الجيش بعد سنة، سنتين، خمس أو ست سنوات".

إلى ذلك، خلُصت "معاريف" إلى أن الجيش لا يعرف بعد كيف سيبدو وجه المعركة، مشيرةً إلى أنه خلال الأيام المقبلة، ينوي قادة الجيش الاجتماع مع وزير الأمن ورئيس مجلس الأمن القومي للحصول على الجداول الزمنة. وسيعرض الجيش خلال ذلك مسودات الخطط الأولى. وفيما يعمل الجيش في هذه الأثناء، على تجديد قوات المقاتلين، وتحسين مرونة المعدات، وبناء خطط العمليات، "يُشكّك كثيرون في تنفيذها، وأكثر من ذلك في تحقيق الإنجازات المرجوة منها"، بحسب الصحيفة.

•