وكالات - النجاح الإخباري - يؤكد مسؤول كبير سابق في المخابرات (الشاباك)، وباحث في معهد للدراسات الإستراتيجية، أن إسرائيل تتقدم بخطوات سريعة لتصبح أقل ديمقراطية تعددية ومساواة، أقل حرية دينية، أقل بناء وترميم أجهزة التعليم، الصحة، الرفاه والبنى التحتية المواصلاتية، وأكثر تديناً، عنصرية، إقصاء فئات سكانية من الأقليات، والاقتراب من تحقيق رؤيا مملكة يهودا التوراتية.

 بعد تحذيره من تسطيح النقاش الدائر، يقول رجل الأمن الإسرائيلي سابقاً، الباحث في جامعة رايخمان ليؤور أكيرمان، في مقال نشره موقع الجامعة، إنه رغم أن الأحداث متتالية في هذه الساعات في ذروة الهزة السياسية داخل جهاز الحكم في إسرائيل يبدو صحيحاً ومناسباً إجراء تحليل معمق للوضع المستقبلي، وعدم الاكتفاء بتفكير سريع وحدسي. ويتساءل كيف يرتبط هذا بالسياسة؟ ميلنا هو أن ندخل كل شيء في أنماط معروفة. هكذا مثلاً، اليميني هو الذي يقاتل زعما في سبيل أمن الدولة، بينما اليساري يبيعها بالمجان للعرب، أما الصهيوني الديني فهو يحافظ على الطابع اليهودي للدولة، بينما المثلي من تل أبيب سيجرّ الدولة إلى الفناء، كما حصل في “سدوم وعمورا”. ويضيف بلهجة ساخرة: “سينجح بن غفير حيثما فشل كل سابقيه، وسيعيد الحوكمة لكل أجزاء البلاد، وجاء الخلاص لصهيون. من جهة أخرى سيقيم الحريديم وسموتريتش هنا دولة شريعة، والعياذ بالله. هكذا يعمل العقل، هكذا يفكر الكثيرون منا. إذاً، لما كان الطريق الأصح هو التحليل العميق للوضع، والاستناد إلى الحقائق، وليس إلى المعتقدات فقط، فهيا نحلل ما سيحصل هنا استناداً إلى الاتفاقات الائتلافية الموقعة والخطوط الأساس التي أعلنت فيها، دون أن نصف مسبقاً أصحاب المناصب ممن سيكونون أعضاء في هذه الحكومة”.

ويقول أكيرمان في تحليله إن البند الأول والبارز في الخطوط الأساس للحكومة الجديدة هو حقها في استيطان كل أجزاء “بلاد إسرائيل الكاملة”، بما في ذلك مناطق الضفة الغربية. وينوه أيضاً لبند آخر مكمّل وهو بند القرار بإخضاع “منسق أعمال الحكومة في المناطق” لوزير المالية سموتريتش، بدلاً من وزير الأمن ورئيس الأركان.

ضرر هائل محتمل

وينبه أكيرمان أن هذا، ظاهراً، بند بسيط وطبيعي لحكومة يمينية، لكنه ينطوي داخله، إذا ما تحقق فعلاً، على إمكانية ضرر هائل. ويعلل تحذيره بالقول: “من المحظور على إسرائيل اليوم، حسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، استيطان مناطق الضفة الغربية، التي تعرف كمناطق تحت احتلال مؤقت، حتى التسوية النهائية لمكانتها. في ضوء كونها أرضاً محتلة، فإن الحاكم الحصري فيها هو قائد المنطقة الوسطى بصفته الحاكم العسكري. ويقول أيضاً إن فكرة إخضاع “منسق أعمال الحكومة في المناطق” للوزير سموتريتش يعود مصدرها إلى الرغبة في أن يفرض على كل سكان “المناطق” الإسرائيليين (المستوطنين) قانوناً مشابهاً لذاك الذي يفرض على باقي مواطني إسرائيل، لكن المعنى هو أن القانون سينطبق أيضاً على السكان الفلسطينيين، ما سيحول مكانة المنطقة من محتلة مؤقتاً إلى محتلة دائماً. كل استيطان لهذه “المناطق” من مواطنين إسرائيليين، وكل تغيير من طرف واحد لمكانة هذه “المناطق” سيجر وراءه بالضرورة شجباً حاداً، بل مقاطعة اقتصادية وسياسية من جانب معظم دول العالم.

كما يحذر أكيرمان من أن نقل مستوطنين جدد إلى المنطقة سيعرف كجريمة حرب، وستصدر أوامر اعتقال ضد كل رؤساء الجيش والدولة في المحكمة الدولية. ويتابع: “فضلاً عن ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي سيلغي تماماً كل استثماراته في مشاريع تكنولوجية وطبية في إسرائيل، بينما ستفرض الإدارة الأمريكية قيوداً أمنية وسياسية، وستمتنع عن استخدام الفيتو في مؤسسات دولية على قرارات مناهضة لإسرائيل.

مكانة التعليم

ويتساءل أكيرمان عن مجال حساس آخر سيتأثر بهوية حكومة الاحتلال الجديدة، التي تصفها المعارضة بالظلامية: وماذا عن التعليم؟ وعن ذلك يقول إنه حسب وثيقة الخطوط الأساس فإن الحكومة ستضع التعليم في مركز سلم الأولويات الوطنية، وستعمل على تحقيق إصلاحات في جهاز التعليم، في ظل المساواة بين كل السكان في أجهزة التعليم المختلفة وتعزيز الهوية اليهودية، كما ستسن قانون أساس “تعليم التوراة”، الذي سيجعل تعليم التوراة قيمة عليا، وملزمة في كل المدارس في إسرائيل. معنى ذلك، برأي الباحث الإسرائيلي، هو أن تعليم التوراة وتراث إسرائيل الديني سيكون ملزماً لكل التلاميذ فيها، بما في ذلك في امتحانات التوجيهي، لكن تعليم المواضيع الأساس الجوهرية لن يكون تعليماً إلزامياً، وستبقى فئات سكانية كاملة مقصية تماماً عن تعليم العلوم، اللغات والإنكليزية، التاريخ، الرياضيات ومؤهلات الحياة.

 ويضيف منبهاً: “عملية شبه مفاجئة في ضوء كلمة “مساواة” التي لا تجد تعبيرها في سياسة الحكومة بأي سبيل. قانون من هذا النوع لا يوجد في أي دولة سليمة في العالم، باستثناء دول معظم سكانها يعرفون أنفسهم متديّنين مثل الولايات المتحدة واسبانيا”.

تقزيم الجهاز القضائي

 ويشير إلى أن الاتفاقات الائتلافية تتضمن تعهداً بأن ينص في قانون أساس على فقرة التغلب أو الاستقواء التي غايتها الإلغاء التام لقدرة وقوة المحكمة العليا لتوجيه نقد قانوني أو لتقييد قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات غير متوازنة. ويشير أيضاً إلى أنه في الصيغة الحالية، وبغياب دستور لإسرائيل، مثل كل دولة سليمة أخرى، معنى هذا القانون هو إلغاء تام لمعنى جهاز القضاء، وإعطاء قوة هائلة وأحادية الجانب للسلطة الحاكمة لتتخذ كل قرار يروق لها، حتى لو كان يتعارض تماماً وقوانين حقوق الإنسان، أو الحريات الأخرى للفرد. كما يقول إنه إضافة إلى كل هذا سيسن قانون التفافي على قرار “العليا” لوقف التجارة، يوم السبت، ما من شـأنه أن يجعل كل الأعمال التجارية العاملة في نهاية الأسبوع متجاوزة للقانون. كما يشير لبند آخر يقول إنه سيوقف تماماً كل نوع من المواصلات العامة في نهاية الأسبوع، بما في ذلك تلك التي توجد اليوم.

الحاخام العسكري

في المسألة الدينية مطلوب أيضاً إخضاع الحاخام العسكري الرئيس للحاخام الرئيس الخاص باليهود الشرقيين، بدلاً من رئيس الأركان.  برأي أكيرمان يحمل هذا معنى حساساً وتأثيراً على قدرة أداء الجيش في أوضاع الأزمة، فالفصل بين الصلاحية القيادية لرئيس الأركان وبين الصلاحية الدينية الكفيلة بأن تأتي من الخارج إلى الجيش سيمس بشدة بقيمة الرسمية والحيادية في المؤسسة العسكرية وبقلب الفكرة الصهيونية الكامنة في أساس إقامة الجيش الإسرائيلي كجيش الشعب.

يهوديتهم موضع شكّ

كذلك يشير أكيرمان لبنود أخرى في الاتفاقات تسمح لكل إنسان أو مصلحة تجارية الامتناع عن تقديم خدمة لشخص أو لفئة سكانية أخرى لاعتبارات دينية او ضميرية، منها منح الطبيب فرصة مثلاً على رفض معالجة مثليين، أو صاحب فندق من استقبالهم. والمعنى المباشر، برأيي أكيرمان، هو القدرة على إقصاء المثليين، اليساريين، العرب، أو كل شخص وفئة سكانية. معطي الخدمة ليس معنياً بمنحها لهم.