وكالات - النجاح الإخباري - رغم مسارعة العديد من الدول لإعانة ليبيا بعد الإعصار المدمر الذي ضرب المدن الشرقية، فإن المساعدة الدولية لم تكن كافية بالنظر إلى الجائحة وتداعياتها، حيث أسقطت آلاف الضحايا وآلاف المفقودين فيما اضطر آلاف آخرون إلى مغادرة منازلهم.
وزير الشباب في حكومة الوحدة الوطنية فتح الله الزني، تحدث عن هذه النقطة أمام الأمم المتحدة حيث طالب دول العالم بالتحلي بمسؤوليتها تجاه ليبيا قائلاً إنه على الرغم من الجهود التي بذلتها حكومة الوحدة الوطنية والأجهزة الأمنية والطبية وفرق الإنقاذ من ربوع الوطن كافة التي شاركت في التعامل مع الكارثة من إخلاء السكان وانتشال العالقين ودفن الموتى واحتواء الوضع الصحي، فإن حجم النازلة قد فاق كل المقاييس والقدرات المحلية.
وتابع أن كارثة درنة الناجمة عن الفيضانات التي اجتاحت المدينة ومناطق الجبل الأخضر قبل أسبوع قد وحدت الليبيين، مشيرًا إلى أن الشعب الآن لم يعد في حاجة إلى سلاح، وذلك بعد انتقاده للتدخل الدولي السلبي في ليبيا، بحسب ما نشرته وزارة الشباب عبر صفحتها على فيسبوك.
وألقى الزني، الخميس، كلمة ليبيا أمام الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بعدما اعتذر عن عدم المشاركة هذا العام كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة بسبب كارثة الفيضانات التي شهدتها مناطق شرق ليبيا. وأشاد الزني في كلمته بجهود كل من لبى النداء الليبي بالمساعدة، وأهاب بالعالم أن يتحمل مسؤولياته تجاه ليبيا باحتواء آثار ما بعد الكارثة، وعلى رأس ذلك الإجراءات الصحية اللازمة لحماية من تبقى من سكان المدينة والمدن المجاورة من كارثة صحية حذر منها المختصون.
وأضاف أن كارثة مدينة درنة تبعث في أبناء الشعب الواحد روح الوحدة والتضامن والتلاحم، موضحًا أن الشعب الليبي فور وقوع الكارثة قد نفض عن نفسه تراكمات الانقسام السياسي والاحتراب ليكشف عن معدنه البراق، ويسمو فوق جراح الماضي، ويضع ملامح المستقبل الذي يراه بعيونه وعيون الأجيال المقبلة لا بعيون الساسة وتجار الحروب.
واختتم الزني كلمته بالقول إن الشعب الليبي لم يعد بحاجة إلى سلاح يقتتل به، وإن كل بؤر التحريض وبذور التوتر التي دأبت التدخلات الدولية السلبية على خلقها والتي حافظت الأطماع الشخصية والفئوية الضيقة على استدامتها قد جرفتها سيول الجبل الأخضر ودرنة إلى البحر.

أكثر من 43 ألف نازح

وفي سياق جديد حول تبعات الكارثة، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، الخميس، نزوح أكثر من 43 ألف شخص إثر الفيضانات الدامية التي شهدها شرق ليبيا، لا سيما مدينة درنة.
وقالت في تقريرها الأخير حول الوضع في شرق ليبيا بعد مرور العاصفة دانيال ليل 10-11 أيلول/ سبتمبر التي أوقعت أكثر من 3300 قتيل وفقاً للسلطات: “حسب آخر التقديرات، فإن 43 ألفاً و59 شخصاً نزحوا إثر الفيضانات في شمال شرق ليبيا”. وسبق أن قدرت المنظمة الدولية للهجرة نزوح 40 ألف شخص في شرق ليبيا، بينهم 30 ألفاً في مدينة درنة وحدها، لافتة إلى تحويل عديد المدارس إلى ملاجئ موقتة لاستقبال العائلات النازحة في المناطق المتضررة.
ولفت الناطق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محمد علي أبونجيلة، إلى صعوبة كبيرة في الوصول إلى مدينة درنة، نسبةً للدمار الكبير الذي طال البنية التحتية، وانقطاع شبكة الاتصالات والكهرباء، وانهيار الجسور التي تصل شرق المدينة بغربها.
ونقل موقع الأمم المتحدة عن أبو نجيلة قوله إن أكثر من 100 ألف عامل من المهاجرين من جنسيات مصرية وسودانية وتشادية يعيشون في المناطق الست التي تضررت من العاصفة. وأوضح: “المنظمة رصدت مقتل 250 عاملاً مصرياً جراء السيول، وهو رقم ليس بهين ومؤسف”.
أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، مساء الأربعاء، أن الفرق التابعة لها تمكنت من انتشال 115 جثة في وادي الخبطة شرق مدينة درنة، مشيرة إلى أخذ 62 عينة منها.
وقالت عبر صفحتها على فيسبوك: “في ظل الظروف الصعبة والتضاريس والمنحدرات الجبلية الوعرة، ومن شرق مدينة درنة بالتحديد، ما زالت فرق الاستطلاع والاستكشاف والاستخراج بالهيئة تقوم بأعمالها في انتشال وأخذ العينات من الجثث مجهولة الهوية”.
وأوضحت الهيئة أن الفرق التابعة لها انتشلت 115 جثة بوادي الخبطة، وأخذت 62 عينات منها، وما زال العمل جارياً، وتواصل فرق الاستطلاع والاستكشاف التابعة لإدارة البحث عن الرفات بالهيئة مساعدة الأهالي بالمدن المتضررة في البحث عن ذويهم داخل الأحياء السكنية المنكوبة في مدينة درنة.
وأعلن الناطق باسم قوات حفتر أحمد المسماري، ارتفاع عدد الضحايا جراء العاصفة دانيال في مدينة درنة إلى 3437 وفاة، وذلك في إحصائية حتى أمس الأربعاء.
وأشار إلى تسجيل 3332 وفاة في الأسبوع الأول، في حين دفنت 105 جثث في مقبرتي مرتوبة والظهر الحمر أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء الماضيين، حسب الإحصائية المنشورة على صفحته في موقع فيسبوك، الخميس.
ودفنت السلطات في مقبرة مرتوبة 12 جثة يوم الإثنين وثلاث جثث يوم الثلاثاء و41 جثة يوم الأربعاء، وفق المسماري.

تضارب في أرقام أعداد الضحايا

وتتضارب هذه الأرقام مع إحصائيات أخرى، حيث قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إن حصيلة ضحايا الفيضانات التي ضربت ليبيا ارتفعت إلى 11 ألفاً و300 شخص في مدينة درنة فقط. وأضاف المكتب أن هناك 10 آلاف و100 شخص مازالوا مفقودين في درنة، في حين لقى 170 شخصاً حتفهم في مكان آخر بشرق ليبيا. وأضافت: “من المتوقع ارتفاع هذه الحصيلة مع استمرار أعمال البحث والإنقاذ للعثور على ناجين”.
وشمل عدد الوفيات أجانب من جنسيات مختلفة، حيث أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن 406 مهاجرين غير شرعيين على الأقل لقوا مصرعهم في مدن شرق ليبيا جراء الفيضانات العارمة والسيول التي صاحبت مرور العاصفة دانيال، مشيرة إلى أن إجمالي الوفيات بلغ أربعة آلاف شخص تقريباً.
وخلال تظاهرة الإثنين الماضي، رفع أهالي درنة قائمة من 16 مطلباً، تضمنت الدعوة إلى البدء الفعلي لإعادة تعمير درنة، وتنظيم مؤتمر دولي من أجل دعم هذا الهدف، وتكليف مجلس بلدي من الكفاءات من أبناء المدينة، ومراقبة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أوجه الصرف في عملية إعادة الإعمار.
ودمرت السيول الجارفة جميع الجسور الرابطة بين ضفتي المدينة، وغالبية العمارات والمباني والبيوت التي تقع على ضفتي مجرى الوادي. كما قطعت معظم الطرق المؤدية إلى داخل المدينة. وأظهر تسجيل مصور بثته وكالة الأنباء الليبية، مشاهد لبقايا أحد سدي درنة اللذين دمرتهما مياه السيول الناجمة عن العاصفة المتوسطية دانيال المدمرة التي اجتاحت مدن الشرق الليبي.
وأعلن 90 حزبًا سياسيًا، في بيان مشترك الأربعاء، دعمهم مطالب أهالي درنة التي أعلنوها خلال تظاهرة حاشدة الإثنين الماضي، على خلفية الأضرار الجسيمة إثر العاصفة التي أدت إلى انهيار سدي وادي درنة، وفقدان آلاف الأرواح، والخسائر الفادحة في الممتلكات العامة والخاصة. وثمنت الأحزاب السياسية الموقعة على البيان هبة المواطنين الليبيين لمؤازرة إخوانهم في المناطق المنكوبة، ما يُعبر عن مدى ترابطهم بعيداً عن محاولات التقسيم والتفريق والتشتت، بالإضافة إلى جهود الدول والمنظمات الدولية والمحلية التي أسهمت في عمليات الإنقاذ وانتشال جثت الضحايا.
وأكدت موقفها إزاء تلك الأحداث في سبعة بنود، أولها ضرورة تكثيف الجهود لاستكمال عمليات الإنقاذ، وانتشال الضحايا، وتسخير الإمكانات للبحث عن المفقودين وتحديد مصيرهم في أسرع وقت ممكن، فضلاً عن احترام إرادة أهالي مدينة درنة الذين طالبوا بحقهم في إعادة تشكيل المجلس التسييري الجديد للبلدية، من أبناء المدينة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وتوفير الدعم المالي المناسب للمجلس التسييري الجديد؛ ليتمكن من معالجة أوضاع المتضررين، وتوفير سبل العيش الكريم لهم، ومطالبة المفوضية العليا للانتخابات بالإسراع في انتخاب المجلس البلدي الجديد للمدنية في أسرع وقت ممكن.
كما شملت البنود الإسراع في عملية إعادة الإعمار للمدينة، وفقاً لطبيعتها الجغرافية والثقافية والتاريخية، مع مراعاة اشتراك سكان المدينة في عمليات إعادة الإعمار في جميع مراحلها، فضلاً عن دعوة وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي إلى الالتزام بلغة التضامن والتآزر، والعمل على حشد الطاقات والجهود وتوحيدها، لرفع المعاناة عن المتضررين.
وتضمنت ضرورة إسماع الشعب الليبي لصوته بطرق سلمية حضارية، من خلال حراك شعبي سلمي حضاري فعال باستعمال الأساليب السلمية التقليدية والمبتكرة، لإنهاء مسلسل العبث والانهيار، فضلاً عن احترام حق التظاهر السلمي، الذي يكفله الإعلان الدستوري ويحميه القانون، ومطالبة الأجهزة الأمنية احترامه، وحث المتظاهرين كذلك على الابتعاد عن كل مظاهر التخريب والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة.
وآخر هذه البنود هي دعوة الجميع للعمل المتواصل مع الصبر والمصابرة، واتباع أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب الانجرار إلى أي شكل من أشكال العنف، وتفادي الوقوع في فخ خطاب الاستفزاز والكراهية والتحريض، وتغليب مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الضيقة.