مركز الدراسات العربية الأوراسية - النجاح الإخباري - أدى التمرد العسكري الذي قادته شركة الخدمات الأمنية الروسية الشهيرة باسم فاغنر، بالقرب من العاصمة موسكو، إلى طرح كثير من التساؤلات عن دور هذا النمط من الشركات شبه العسكرية، وأثرها في أمن البلدان واستقرارها وحضورها على الساحة الدولية، ولا تتعلق هذه التساؤلات بروسيا فقط، ولكنها تمتد لتشمل الصين؛ اللاعب النشط في سوق المقاولات العسكرية في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، ولكن بزخم أقل من الولايات المتحدة وروسيا؛ لذا سندرس تاريخ إطلاق شركات الأمن الصينية الخاصة، وخريطة توزيع نفوذها وحضورها، ومآلات تطورها.

بزوغ شركات الأمن الصينية الخاصة

عام 2009، صدرت لائحة صينية بشأن إدارة خدمات الأمن والحراسة، حيث حُددت المبادئ التوجيهية لسوق الشركات الأمنية الخاصة في البر الرئيسي للصين، مع بعض الإجراءات لتوفير خدمات الأمن الخارجية. ومع تحول اللائحة إلى قانون في يناير 2010، حدث تنامٍ كبير في تسجيل الشركات الأمنية الخاصة، التي كان لها صفة ثابتة، وهي أن معظم الرؤساء التنفيذيين والأفراد العاملين فيها على روابط مع أجهزة الأمن والجيش الشعبي الصيني، ونادرًا ما تكون هناك إدارة تجارية، أو ذات خلفية مَدنية.

والجدير بالذكر أن الصين تكافح مع “أزمة المحاربين القدامى لجيش التحرير الشعبي الصيني”، وهو وضع نشأ بعد إعلان الرئيس شي جين بينغ إعفاء آلاف الجنود خلال مرحلة إعادة تحديث جيش التحرير الشعبي. وبدأت الحكومة الصينية إعادة تأهيل “نخب” جيش التحرير الشعبي وجنوده، وهذا يُمكن أن يكون الأساس “المنطقي” لتوظيف قدامى المحاربين في الشركات الأمنية الخاصة.

إن الاتجاه الصيني في خصخصة "احتكار الأمن والقوة" ليس بالسرعة التي كانت عليها الحالة الأمريكية مثلًا، ولكن بكين قطعت شوطًا كبيرًا في اتجاه الخصخصة يتعلق بالشركات الأمنية الخاصة العاملة خارج حدود الدولة لدعم المصالح الصينية في الخارج. وجاء هذا التوجه مدفوعًا بالتوسع الكبير في المشاركة العالمية من جانب الصين وشركاتها على مدى العقدين الماضيين، وهذا خلق حاجة إلى الشركات الأمنية الخاصة لحماية العمليات التجارية والصناعية والأفراد في البيئات الخطرة حيث يعملون في بعض الأحيان.

عام 2011 شكل نقطة فارقة في تنامي دور شركات الأمن الخاصة؛ حيث تم التعاون آنذاك بين هذه الشركات وقوات البحرية الصينية والجيش الشعبي لإجلاء ثلاثين ألف مواطن صيني مِن ليبيا، ثم في عام 2015، نجحت الجهود المشتركة بين المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية الصينية في إجلاء الصينيين العاملين في اليمن، ونقلهم إلى جيبوتي. كان يمكن لهذه العمليات أن تُشكل عبئًا ماليًّا وسياسيًّا يتعين على حكومة الحزب الشيوعي الصيني أن تتحمله، لكن يبدو أن توظيف القوات الصغيرة التابعة لشركات الأمن الخاصة وفر فوائد فورية من حيث الكفاءة، والفعالية، والتكلفة الاقتصادية.

عام 2016، حاولت مجموعة محلية في باكستان غير معروفة، تتحدى- مباشرةً- سيطرة الحكومة المركزية على مقاطعة السند، اغتيال العمال الصينيين المقيمين في مدينة كراتشي. وأدى الهجوم بعبوة ناسفة إلى إصابة مهندس صيني وسائقه بجروح. في العام نفسه، قُتل ثلاثة مديرين تنفيذيين صينيين من شركة السكك الحديدية الصينية، مع أجانب آخرين في الهجوم الإرهابي على فندق في مالي.

كلتا المجموعتين من الصينيين لم تكن لديها حماية كافية، ولا تحذير مسبق مناسب من التهديدات الوشيكة في المنطقة. في حالة هجوم مالي الإرهابي، أصبح الصينيون هدفًا لا لسبب سوى أنهم أجانب. أما في هجوم جيش باكستان فكان العمال الصينيون هم الهدف المحدد من أجل منع مزيد من الدعم الاقتصادي الصيني للاقتصاد الباكستاني الضعيف.

ولقد أدى دعم بكين لإسلام أباد بالفعل إلى إثارة معارضة مفتوحة في منطقة بلوشستان القبلية. ومع ذلك، كانت مدينة كراتشي الساحلية منطقة آمنة نسبيًّا للعمال الصينيين، خاصةً أن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، بقيمة استثمارية تقدر بـ(63) مليار دولار أمريكي من الصين، يمثل جزءًا إستراتيجيًّا من مبادرة الحزام والطريق (BRI) التي تربط آسيا الوسطى بميناء جوادر على المحيط الهندي في باكستان.

وتهدف مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ، عام 2013، إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والتبادلات بين الصين وأكثر من (60) دولة. زاد حجم الاستثمار الصيني في الخارج ثمانية أضعاف في العقد الماضي، لكن حجم الأموال الصينية المخصصة لمبادرة الحزام والطريق لم يسبق له مثيل، حيث يبلغ (8) تريليونات دولار أمريكي.

وألقى هجوم كراتشي الضوء أن الاعتبارات الأمنية على طول الطرق البحرية والبرية لمبادرة الحزام والطريق يجب إعادة معالجتها، وتقييم الأخطار المحلية. وهذه المسألة الأمنية أدركتها بكين، وبدأت بالتفكير في حلول، وبالتحديد في الشركات الدولية التي توفر الأمن الخاص، وتقييم الأخطار، والتأمين، وربما- وهو الأهم- التخفيف من حدة الأزمات مع البُلدان المُضيفَة للاستثمار الصيني.

وأطلقت جامعة الشعب للأمن العام في بكين برامج لتبني الخبرة الدولية في مكافحة الإرهاب من أجل تدريب المسؤولين. كما ازدهرت مرافق التدريب الأمني الخاص في المدن الصينية الكبرى بدعم من خبراء بريطانيين وإسرائيليين وجنوب إفريقيين وهولنديين؛ في محاول لتطوير كثير من شركات الأمن الصينية نموذج أعمالها من مزود أمن محلي، أو ما يسمى بالحراس الشخصيين للعملاء الأثرياء، إلى العمليات الدولية مع مكاتب الاتصال في بكين.

في الوقت الحالي، هناك تقدير بأن الصين تملك (7000) شركة أمنية خاصة، يعمل (20- 40) شركة منها خارج حدود البلاد، فيما يصل إلى (40) دولة. ويعكس هذا ارتفاع الطلب في السوق على الأمن. وفي الوقت نفسه، عدم وجود شركة محلية صينية رائدة على غرار (فاغنر الروسية، وقبلها بلاك ووتر الأمريكية)، على حداثة هذه الظاهرة في الصين.

شركات الأمن الصينية الخاصة في إفريقيا

منذ عام 2012، توافد نحو (200000) عامل صيني إلى إفريقيا للعمل في مبادرة الحزام والطريق، مما رفع عدد الصينيين في القارة إلى مليون. وهناك أكثر من (10000) شركة صينية في إفريقيا، وتحقق إيرادات تزيد على (40) مليار دولار سنويًّا. لكن (84%) من استثمارات الحزام والطريق في بلدان ذات خطورة متوسطة إلى عالية. وخلال الفترة من 2015 إلى 2017، تعرضت الشركات الصينية لنحو (350) حادثًا أمنيًّا خطيرًا، مثل: عمليات الخطف والهجمات الإرهابية، إلى أعمال العنف ضد الصينيين. خلق هذا الوضع ضرورة من أجل وجود أمني صيني أكثر قوة على الأرض؛ ومن ثم، تعتمد الحكومة الصينية- اعتمادًا متزايدًا- على شركات الأمن الصينية كجزء من خطتها. ونشرت بكين ما يقارب من (35) ألف فرد أغلبهم خدم سابقًا في الجيش أو الشرطة الصينية، بواسطة شركتي (Beijing DeWe Security Service) و (Huaxin Zhong An Security) في (50) دولة إفريقية، وجنوب آسيا، والشرق الأوسط، منهم (2000) مقاول أمني لحماية خط سكك حديد مومباسا- نيروبي- نيفاشا، الذي تبلغ تكلفته (3.6) مليار دولار.

تحمي شركة الأمن الصينية الخاصة (DeWe) مشروعًا للغاز الطبيعي بقيمة (4) مليارات دولار في إثيوبيا، كما تحمي شركة (Shandong Haiwei Security Group) المناجم المملوكة للصين في جنوب إفريقيا. وتحمي مجموعة (China Overseas Security Group)، وهي تكتل من خمس شركات، مشروعات الحزام والطريق في مناطق الصراع، بما في ذلك الصومال. بالإضافة إلى وجود المقاولين العسكريين الصينيين في خليج غينيا، وعدن، وجنوب السودان.

يعمل مقاولو الأمن الصينيون مع القوات المحلية في هذه البُلدان، وفي بعض الحالات ترافقهم في مهمات. عام 2012، ساعدت مجموعة عسكرية صينية الجيش السوداني على إنقاذ (29) من عمال النفط الصينيين المختطفين في مقاطعة جنوب كردفان. وفي عام 2016، جندت (DeWe Security Service) مسلحين من جنوب السودان كدعم لإجلاء أكثر من (300) عامل نفط صيني بعد اندلاع القتال بين الفصائل المتناحرة خلال الحرب الأهلية. كما تحمي وحدات عسكرية صينية عمليات نقل الوقود والعملة الصعبة لشركة البترول الوطنية الصينية العاملة في حقول نفط جنوب السودان.

وتجنّد بعض الشركات الصينية قدامى المحاربين من الجيوش الغربية لتشكيل شركات أمنية خاصة أكثر “احترافية”. وتجسد هذا النمط في مجموعة (Frontier Services Group)، ومقرها هونج كونج، التي أدت دورًا في نزاعات الصومال، وجنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وارتبطت بصلات مع إريك دين برنس، قائد الفرقة القتالية الجوية والبرية السابق في البحرية الأمريكية، ومؤسس شركة الأمن الخاصة السيئة السُمعة “بلاك ووتر” الأمريكية، ومجموعة (CITIC)؛ أكبر تكتل مملوك للدولة في الصين.

تتباهى المواد الترويجية لمجموعة (Frontier Services Group) بأنها دربت أكثر من (5000) من أفراد الجيش الصيني، و(200) من ضباط الشرطة المدنية، و (500) عنصر في القوات الخاصة، و(200) من ضباط شرطة السكك الحديدية، و(300) من ضباط الشرطة العسكرية في الخارج. لكن في عام 2021، اتهم مراقبو الأمم المتحدة إريك دين بقيادة “عملية عسكرية خاصة” لتسليم أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات بدون طيار، ومروحيات هجومية، لأحد أطراف النزاع في ليبيا. هذه الأمثلة تمثل إشارات تحذير للمعاملات المثيرة للجدل التي يمكن توقعها بين الشركات الصينية المملوكة للدولة وشركات الأمن الأجنبية المتلهفة للاستفادة من حاجة الصين إلى مقاولين أمنيين.

شركات الأمن الصينية الخاصة في آسيا

أنتجت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة في آسيا الوسطى شبكة معقدة من التهديدات والأخطار الأمنية. يتفاوت مستوى الاستقرار السياسي داخل المنطقة، في حين أن استقرار أنظمة كازاخستان، وتركمانستان، وأوزبكستان يمكن أن يعتمد على وفرة الموارد الطبيعية، والاستثمار الأجنبي، فطاجيكستان وقيرغيزستان تكافحان من أجل الاستقرار الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي.

منذ عام 2008، توسعت العلاقات الاقتصادية بين الصين وجمهوريات آسيا الوسطى تدريجيًّا لتتجاوز التجارة لتشمل مجموعة واسعة من مشروعات التعاون. وازداد استثمار بكين في المنطقة بمعدل غير مسبوق مقارنة بكثير من شركاء مبادرة الحزام والطريق. ويتركز التبادل الاقتصادي مع جمهوريات آسيا الوسطى على صادرات النفط، والغاز، والتعدين، إلى الصين، مع تدفق معاكس للاستثمار الأجنبي المباشر الصيني، والسلع الاستهلاكية.

منذ عام 2013، تنوّع نطاق مبادرة الحزام والطريق في آسيا الوسطى من قطاعي الطاقة والتعدين إلى استثمارات البنية التحتية، مع مشروعات لوجستية رئيسية إضافية؛ لذلك طُوِّرَت شبكة الطرق والسكك الحديدية العالية السرعة من أجل تعزيز الاتصال بين منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم في الصين ودول آسيا الوسطى المجاورة. وربما يكون الطريق السريع القرغيزي، وتحديث شبكة السكك الحديدية الأوزبكية مجرد جزء من العقود التي أطلقتها الشركات الصينية المملوكة للدولة في المنطقة. وترتبط المشروعات اللوجستية الأكثر طموحًا بتوسيع خطوط السكك الحديدية، مثل تلك الموجودة في أوزبكستان، وباكستان، وأفغانستان. ومن المتوقع أن تعزز مشروعات مبادرة الحزام والطريق الشاملة في المنطقة تكامل السوق مع الصين.

لكن مِن المتوقع أن تؤثر كثير من التهديدات الأمنية في مبادرة الحزام والطريق الصينية. وتتراوح الأخطار في المنطقة من السياسات المحلية، والصراعات الداخلية على السلطة، إلى الرفض الشعبي للنفوذ الصيني. على الرغم من الخطاب الرسمي لمبادرة الحزام والطريق الذي يؤكد التعاون، تواجه الصين عدم ثقة من السكان المحليين. وبينما يرحب السكان المحليون- في الغالب- بتدفق اليوان، فإن هناك استياءً وخوفًا مِن انتشار العمال الصينيين، خاصةً أن هناك خوفًا تاريخيًّا منذ زمن القيصرية الروسية أن الزيادة الكبيرة للسكان في الصين ستجعل بكين تُسيطر على الشرق الأقصى لروسيا ووسط آسيا؛ نتيجة عدم التوازن السكاني في المنطقة.

ومنذ انسحاب قوات التحالف الأمريكية وقوات المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) من أفغانستان، أصبحت باكستان حليفًا مهمًّا للصين في صياغة سياسات جديدة للاستقرار الإقليمي. ومن الناحية الجيوسياسية، أفغانستان هي المحور الرئيسي بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، ونقطة تلاقي لمصالح كثير من القوى الإقليمية، بما في ذلك الهند، وباكستان، وإيران، وتركيا؛ لذا ترغب الدبلوماسية الاقتصادية الصينية، من خلال المشاركة النشطة لجيش التحرير الشعبي، وشركات الأمن الخاصة، في استقرار أفغانستان، والتكامل الاقتصادي الإقليمي مع آسيا الوسطى.

يمكن للالتزام الذي تقوده الصين ببناء البنى التحتية اللوجستية والاقتصادية لمبادرة الحزام والطريق، والتكامل التجاري في جنوب آسيا ووسطها، أن يبدأ عملية استقرار فعالة. في هذا الصدد، تربط أفغانستان خطوط عبور محور الشمال والجنوب لمبادرة الحزام والطريق التي تؤثر في الجسر البري الأوراسي، في حين أن الاستثمارات الصينية في التحديث العسكري ستمكّن بكين- على المدى المتوسط إلى الطويل- من زيادة فاعلية جيش التحرير الشعبي ونطاقه، لكن على المدى القصير، لا تزال الأداة الرئيسية للصين للتأثير في الأمن الإقليمي تنطوي على أدوات اقتصادية، وتوظيف الشركات الأمنية الخاصة.

وبينما تُمنع الشركات الأمنية الخاصة الأجنبية من العمل في كثير من بلدان آسيا، فإن شركات صينية مثل (COSG)، و(HuaXin ZhongAn)، و(FSG)، وجدت طريقها- ولا سيما في باكستان- لبدء سد الفجوة التي خلّفها رحيل شركات الأمن الخاصة الغربية بعد الانسحاب الأمريكي مِن أفغانستان. والآن، يتنافس مزودو الأمن الخاصون الصينيون مع الجهات المحلية لحماية مشروعات الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. وبالنظر إلى استمرار الاستثمار الصيني المتزايد في باكستان، وجارتها أفغانستان، من المحتمل أن تزيد الشركات الأمنية الخاصة الصينية من أعمالها في المنطقة، مستفيدةً من تفضيل الشركات الصينية المملوكة للدولة لتوظيف الشركات الأمنية الخاصة الصينية.

شركات الأمن الصينية الخاصة في أمريكا اللاتينية

تملك الصين في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ما يقارب مِن (600) مشروع، بإجمالي استثمارات بلغت (184) مليار دولار، لكن الشركات الصينية العاملة تُعاني مشكلات أمنية باستمرار، حيث هوجم حقل نفط تديره بكين في الإكوادور عام 2007، كما احتُجِزَ رهائن صينيون في كولومبيا عام 2011. وكذلك أدى نشاط العصابات إلى تعطل الأعمال الصينية في بيرو، وهندوراس، وبوليفيا.

أدى هذا إلى دفع الشركات الصينية للجوء لشركات أمن خاصة تابعة لها، وتولت شركة (China Security Technology Group) عمليات التأمين في البيرو، وافتتحت (Beijing duji security) مكاتب لها في الأرجنتين، كما أعلنت (China Overseas Security Group) نيتها الدخول إلى السوق الارجنتينة كذلك، وتقدم شركة (Zhong Bao Hua An Security Company) خدمات أمنية في بنما، والسلفادور، وكوستاريكا[10].

مع استمرار نمو المصالح الصينية في أمريكا اللاتينية، يستمر مزيد من الشركات الأمنية الخاصة الصينية في الانتشار في جميع أنحاء القارة. ومن المرجح أن تستضيف فنزويلا، وكوبا، ونيكاراغوا، الشركات الأمنية الخاصة الصينية، جنبًا إلى جنب مع البلدان التي تضم أعدادًا كبيرة من الصينيين العاملين، مثل بيرو، وبنما.

احتمالات تطور شركات الأمن الصينية الخاصة ومآلاتها

ستواصل شركات الأمن الصينية الخاصة تقديم خدماتها ما دامت بكين تتوسع في استثماراتها على طول مبادرة الحزام والطريق. ومن المتوقع أن تعزز سياسات الخصخصة الصينية إمكانات اكتساب قدر أكبر من المرونة، والقدرة على التكيف مع بيئة التشغيل المستهدفة لهذه الشركات، خصوصًا أن هذه الشركات بدأت بالتعاقد مع كيانات غربية، والاستعانة بخبرائهم لوضع هيكل فاعل ومنضبط لصناعة الأمن الخاص ككل.

الآن، تنتقل الشركات الأمنية الخاصة الصينية من النموذج البسيط للحراسة داخليًّا إلى مزودي أمن دوليين، وتؤدي التهديدات الإرهابية، والابتزاز الإجرامي، والعنف السياسي، والزيادة في الميزانيات الأمنية الصينية، دورًا بالفعل في إنجاح هذا التحول. في الوقت نفسه، فإن قطاع الأمن المحلي كلما أصبح أكثر نضجًا وتطورًا؛ سوف يدعم زيادة الاحترافية في السوق الصينية للأمن خارجيًّا.

إن إلقاء نظرة أولى على سوق الأمن الخاص اليوم، ودراسة تورط الشركات الأمنية الخاصة في نزاعات العراق، وأفغانستان، وسوريا، وليبيا، وأوكرانيا، يمكن أن تشير إلى أن تقليص نوعية خدمات الأمن الخاصة وكميتها أمر سليم، ولكن هذه ليست هي الحال. ستوفر الحاجة العالمية إلى الأمن، بالتزامن مع مبادرة الحزام والطريق، عقودًا مربحة، وستطلب شركات أمنية خاصة متطورة قادرة على اكتساب المعلومات الاستخباراتية، وتحليل الأخطار، وإدارة الأزمات في كثير من البلدان.

ويمكن اعتبار أن شركات الأمن الصينية الخاصة بعيدة الآن عن ساحات المعارك، وترغب في أن تخلق سوقًا متخصصة لتوفير الأمن، والحفاظ على المصالح الاقتصادية الصينية في الخارج، لا سيما أن معظم المتعاقدين الأمنيين الصينيين- باستثناء أولئك المشاركين في مهام الحراسة البحرية التي تهدف إلى الحماية من القراصنة- يخضعون لرقابة صارمة، ولا يُسمح لهم- وفقًا للقانون الصيني- بالدخول في عمليات هجومية مُسلحة، ويتعين عليهم العمل عن كثب مع قوات أمن الدولة المضيفة؛ وعليه فإن دور المقاولين العسكريين الصينيين قائم على كثير من التدريب، وبناء القدرات، والخدمات اللوجستية، والمعلومات الاستخبارية، والمراقبة، وما إلى ذلك.

ترغب شركات الأمن الصينية في أن تعمل بشكل مختلف تمامًا عن الشركات الأمريكية والروسية؛ فالأولى استخدمت “بلاك ووتر” في العراق وأفغانستان، وارتكب مقاولوها جرائم ضد الإنسانية، وزادت من كراهية البيئة المحلية للوجود الأمريكي، حتى بصورته المدنية الاستثمارية. أما روسيا فقد استخدمت مجموعة فاغنر في كثير من جبهات القتال في إفريقيا، والشرق الأوسط، وأوكرانيا. وكلا النموذجين- في نظر الصينيين- لا يخدم مصالحهم، فهو يجعل مقاولي الأمن الخاصين جزءًا من بنية الحُكم في هذه البلدان (أي البلدان المضيفة لهم، مثل: مالي، وجنوب السودان، وإفريقيا الوسطى) ويخوضون حروبًا نيابة عن الحكومات، وهذا يخلق عداءات داخل البيئة المحلية؛ ما يشكل تهديدًا مباشرًا للاستثمارات.

لذا فإن المحرك الرئيسي لسوق الأمن الصيني، كما هي الحال في جميع الأعمال، هو الربح؛ ولهذا فُتِح المسار التنافسي أمام شركات الأمن الصينية الخاصة لحماية البنية التحتية لمبادرة الحزام والطوق، والمواطنين، والعمال في الخارج، وهذه ليست سوى بداية لما يمكن أن يصبح اتجاهًا أكبر في خصخصة القوة على النمط الصيني.