وكالات - النجاح الإخباري - الأرجح أنّه أمر يتعلق بأحد الأفكار الكثيرة والشائعة والمغلوطة أيضاً، عن جسد. وليس أمر تلك الأفكار بهيّن أبداً. يكفي تذكّر أن الطب دأب على اعتبار أعضاء التكاثر عند الإناث مصدراً لأمراض لا حصر لها، ربما أبرزها الهستيريا، إذ ذهب أطباء اليونان كآبوقراط وبطليموس وأرسطو، إلى القول إنّ رحم الأنثى قابل لأن يتحرّك في دواخل جسمها، مع توليده اضطرابات في المزاج والأعصاب والنفس. ولأن الرحم يسمّى «هيستر» Hyster باليونانيّة، سُمّيت ظاهرة عصبيّة- نفسيّة فيها اضطراب للمزاج وردود الفعل العصبيّة والنفسيّة، بـ «هستيريا» Hysteria. والمفارقة أن تلك التسميّة استُعمِلَت في وصف تلك الظاهرة حتى عندما كانت تُرصَد وتُعالَج عند الذكور. ولفترة ما، استُبدلت كلمة بـ «هستيريا» «اضطرابات الاستقلاب/ التحويل» Conversional Disorders، ثم صارت تسمّى «اضطرابات سيكو- سوماتيّة» Psycho- Somatic Disorders، فيما تميل تصنيفات أكثر حداثة إلى وصفها بـ «الجَسْدَنَة» Somatization.


واستطراداً، ما زالت لفظة هستيريا عينها مستعملة عربيّاً، على رغم زوالها من تصنيفات الأمراض النفسيّة- العصبيّة منذ فترة ليست قصيرة! وحتى لا نظلم لغة العرب كثيراً، يمكن الإشارة إلى أن سيغموند فرويد، مؤسّس مدرسة التحليل النفسي مطلع القرن العشرين، استعمل تلك اللفظة في وصف اضطرابات نفسيّة- جسديّة متنوّعة، بل وردت في أحد عناوين مؤلّفاته.

إذن، هناك أفكار مغلوطة ومنتشرة عن علاقة جسد الأنثى بأمراض متنوّعة تصيبها. وفي ذلك السياق، تمكن الإشارة إلى اعتقادات سلبيّة لآجال طويلة تماماً، مفادها أن العادة الشهريّة تؤثر بصورة سلبيّة على دماغ الأنثى. وعلى رغم أنّ تأثير العادة الشهريّة على الدماغ شكّل موضوعاً لدراسات علماء الأعصاب والنفس، إلا أنّ الدلائل لم تظهر إلا أخيراً عن التأثيرات الإيجابيّة التي تُحدثها الهرمونات الأنثويّة على أدمغتهن، وهو عكس معتقدات شائعة شرقاً وغرباً. ووضع الموقع الشبكي لـ «هيئة الإذاعة البريطانيّة»- بي بي سي» تقريراً مفصلاً عن تلك الدراسات التي أقل ما يقال فيها إنها تضيف بُعداً جديداً إلى الصورة العامة عن العادة الشهريّة للأنثى، وتأثيراتها العصبيّة والنفسيّة والمزاجيّة والإدراكيّة وغيرها.

الذكور يعانون «ذلك» أيضاً!

نقل التقرير عينه عن البروفسور ماركوس هوسمان، وهو اختصاصي أعصاب من «جامعة دورهام» البريطانيّة، تأكيده أن الدلائل تتراكم على أنّ أدمغة الإناث والذكور تتأثّر بالهرمونات الجنسيّة، ما يعني أنه تأثير طبيعي وموجود عند الجنسين سويّة. ويعني ذلك أن لا سند علميّاً للقول إن الهرمونات الجنسيّة تؤثّر على الدماغ عند الإناث، لأن الأمر نفسه يحدث أيضاً عند الذكور، وفق هوسمان.

وأبرز التقرير الجهود التي بذلتها في السنوات الأخيرة، البروفسورة بولين ماكي المختصة في علم النفسي من جامعة شيكاغو، التي أجرت دراسة علميّة مدقّقة عن تأثير العادة الشهريّة في دماغ الأنثى وأعماله. وتوصّلت إلى أن القدرة على التعرف إلى الأمكنة ومواضع الأشياء، تتحسّن عقب العادة مباشرة، فيما ترتفع القدرات الكلاميّة، بما فيها القدرة على حفظ الكلمات والمصطلحات والحوار التفاعلي مع الآخر، في الأسابيع الثلاثة التالية للعادة.

وفي العام 2002، استهلت ماكي دراسة في «مركز دراسات الشيخوخة» في «بالتيمور»، عن علاقة مختلف قدرات الدماغ (بما فيها المزاج والعواطف، إضافة الى السلوك الاجتماعي والقدرات المعرفيّة والإدراكيّة)، مع التقلّب في مستوى الهرمونات عند النساء.

وترى ماكي أن التأثيرات المتراكمة للهرمونات النسويّة، تجعلهن أكثر طلاقة في الحوار، وأكثر قدرة على التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إعطائهن قدرة متقدّمة في التعامل مع الكلمات وتهجئتها أيضاً.

وكذلك ذكّر تقرير «بي بي سي» بدراسات عملية وثّقت أنّ أدمغة النساء تستعمل قدرات جانبي الدماغ في حل المشكلات والأوضاع التي يواجهنها، فيما تميل أدمغة الذكور إلى استعمال أحد الجانبين في التوصل إلى الحلول.