النجاح الإخباري - في غرف العمليات في المستشفى الكويتي بمجمع فلسطين الطبي يعمل أخصائيون وأطباء وممرضون كخلية النحل، بل أدق، يقسمون الحياة إلى اثنتين، ويزرعونها في جسد مرضى الفشل الكلوي.

في هذه الغرف يهِب أناسٌ الحياة للآخرين، فيهدي الواحد منهم إحدى كليتيه، هكذا دون مقابل ولا منَّة، فيتجسد العطاء والكرم والإيثار بأبهى صوره، وبالمقابل، يرتسم التفاني والتناسق في العمل عند الطواقم الطبية بمجمع فلسطين الطبي، فتراهم كمن يعزفون سيمفونية الحياة، أو كمن يعيد رسم لوحة بأبهى الألوان.

يسير العمل في غرف العمليات هذه وفق حلقات متصلة، تبدأ بتحضير المريض المتبرّع والمريض المستقبل للكلية، وتمر بأخذ الكلية من المتبرع وزراعة الحالب في جسد المستقبل، ثمّ تجهيز الكلية المنقولة وزراعتها في جسد المريض المستقبل، وتنتهي بمتابعة المريض بعد الزراعة.

يقول استشاري جراحة الأوعية الدموية وزراعة الكلى "د. وليد مسعود" إنّ أولَّ عملية زراعة كلى أجريت في مجمع فلسطين الطبي كانت عام (2010)، حيث تمّ إجراء عمليتين لزراعة الكلى في الوقت الذي جرى فيه افتتاح المجمع من قبل الرئيس "محمود عباس".

د. وليد مسعود الذي تعود أصوله إلى قرية صرة قضاء نابلس، يقيم حالياً في الأردن ويعمل فيها، وكان قد عمل سابقاً رئيساً لقسم جراحة الأوعية الدموية في مستشفى الجامعة الأردنية، يصرُّ في كل شهر تقريباً على القدوم إلى فلسطين مع زميله استشاري جراحة الكلى والمسالك وزراعة الكلى "د. عبد الكريم الزيتاوي"، والذي تعود أصوله إلى قرية جماعين في نابلس، ويعمل في الأردن أيضًا.

يصرُّ هذان الرجلان على زراعة الحياة في فلسطين التي لم تغب يومًا عن بالهم، يضيف "د. مسعود": "أنّ المسيرة بدأت بعد ذلك في المجمع، حيث بدأت مع زميلي د.عبد الكريم الزيتاوي، الحضور إلى الضفة الغربية قادمين من الأردن لإجراء هذه العمليات وتدريب الطواقم الطبية في مجمع فلسطين الطبي على إجرائها"، ويقول إنّه جرى تدريب طاقم طبي في مجمع فلسطين الطبي، وهو مؤهل لإجراء العمليات بشكل مميز، ويقول "د. مسعود" إنّ نتائج العمليات الـ(255) التي تمّ إجراؤها في مجمع فلسطين الطبي منذ العام (2010) مدعاة للفخر، حيثُ لم تسجل أي حالة وفاة من بين المرضى الذين أجريت لهم عمليات الزراعة.

وكان آخر هذه العمليات ما أجرته الطواقم الطبية أمس، وأمس الأول، حيث تمّ إجراء خمس عمليات إحداها لطفلة لم تتجاوز الـعشرة أعوام، ويضيف أنّ نسبة الرفض لدى المرضى متدنية جداً وهي من أفضل النسب والنتائج إقليميًّا، وتضاهي الأرقام العالمية.

ويعزو "د. مسعود" هذا النجاح في نتائج العمليات إلى التدريب المميز والمستمر للطواقم الطبية، وتكاتف الأطباء مع أخصائيي التخدير والممرضين في غرف العمليات، مؤكدًا أنّ هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الدعم الكبير من وزير الصحة "د. جواد عواد".

 من جهته، عبر الوزير عوّاد عن اعتزازه وشكره للطواقم الطبية المتميزة والتي نجحت في إجراء هذه العمليات الجراحية بتقنيات عالمية، مشيدًا بكافة الطواقم الطبية والفنية والإدارية العاملة في وزارة الصحة على جهودها الكبيرة لتقديم الخدمة الطبية الفضلى والتي يستحقها أبناء شعبنا.

ويقول "د. عواد" إنّ مسيرة توطين الخدمة الطبية انطلقت وبقوّة، مؤكّداً أنّ القيادة السياسية ممثلة بالرئيس "محمود عباس" ورئيس الوزراء "د. رامي الحمدالله" تولي اهتمامًا فائقًا بقطاع الصحة، وتعمل بشكل دائم على تعزيز صموده وتطويره تكنولوجيا جديدة

ويقول "د. عبد الكريم الزيتاوي": إنّه بعد التقدم الكبير في زراعة الكلى بمجمع فلسطين الطبي، دخلنا إلى مرحلة مميزة في العمل، تتمثل بإدخال تكنولوجيا جديدة في عملية استئصال الكلى من المتبرع عن طريق المناظير.

وفي هذه التكنولوجيا يتمّ إحداث جرح صغير أسفل بطن المتبرع، واستئصال الكلية بالمنظار، حيث يتميز هذا الإجراء بالتخفيف من معاناة المتبرع من الألم بعد العملية، إضافة إلى سرعة الشفاء.

ويضيف أنّ هذه التكنولوجيا لا تترك جروحاً كبيرة على جسد المتبرع، ويؤكد "د. الزيتاوي" أنّ النتائج المميزة لعمليات زراعة الكلى التي تجرى بمجمع فلسطين الطبي رفعت مستوى الثقة لدى الجمهور الفلسطيني.

الزراعة من الألف إلى الياء تبدأ إجراءات زراعة الكلى بقرار من طبيب أمراض الكلى الذي يتابع المريض، حيث يقوم بتحضير المريض والمتبرع، ويشترط أن يكون من الأقارب، وهنا يكمن أوّل سر لنجاح العملية، فاختيار المتبرع الصحيح يعد من أهم عوامل نجاح زراعة الكلية.

ويضيف "د. مسعود"، أنه بعد تحضير المريض، وخلال العملية تتمّ إزالة الكلية من المتبرع، ثم تغسل بمحاليل خاصة، ثم تُنقل إلى غرفة مجاورة، يكون قد تمّ تجهيز المريض المستقبل فيها، ثم تُزرع الكلية بجسد المستقبل، وبعد ذلك يُزرع الحالب من قبل جراح المسالك البولية، وهكذا تنتهي العملية وينقل المريض بعد ذلك إلى غرفة العناية الحثيثة، حيث تكون الكوادر الطبية المدربة على مثل هذه الحالات بانتظاره للعناية به.

وبعد نقل المريض إلى غرفة العناية الحثيثة تبدأ عملية الرعاية من قبل أطباء أمراض الكلى، فيتم إعطاء المريض أدوية وسوائل خاصة وحسب الحاجة، وتبقى المتابعة من قبل الطواقم الطبية للمريض إلى أن تعود وظائف الكلى إلى طبيعتها.

ويشير إلى أنّ المرضى الذين يجرون عمليات زراعة الكلى يعطون أدوية للمناعة، لتمكين الجسم من استقبال الكلية وعدم رفضها، وتكون هذه الأدوية مكثفة في البداية ويتم تخفيضها تدريجيًا.

ويخرج المريض عادة من المستشفى بعد ثمانية أيام، ويكمل متابعته مع طبيب أمراض الكلى، حيث يُزال الأنبوب الذي يزرع داخل الحالب بعد ثلاثة أسابيع من قبل جراح المسالك البولية.

ويؤكد "د. مسعود" أنّه تمّ إجراء دراسة على أول (220) حالة زراعة كلى داخل مجمع فلسطين الطبي، حيث أظهرت هذه الدراسة نتائج مميزة من ناحية الرفض والتعقيدات الجراحية لمثل هذه العمليات.

ويقول مدير مجمع فلسطين الطبي "د. أحمد البيتاوي":" إنّ إجراء عمليات زراعة الكلى داخل مرافق وزارة الصحة هي خطوة واثقة في طريق توطين الخدمات الصحية التي يشدد على تطبيقها وزير الصحة د. جواد عواد".

ويضيف أنّ مجمع فلسطين الطبي أدخل العديد من الإجراءات الطبية والصحية المتقدمة، فيما أجرى ورشة بناء على الصعيدين الإداري والمادي، حيث أوعز وزير الصحة بضخ كوادر مميزة داخل المجمع، إضافة إلى افتتاح أقسام جديدة، ومنها قسم جراحة قلب الأطفال، والذي سيكون درّة من درر وزارة الصحة.

يقول رئيس فريق زراعة الكلى في مجمع فلسطين الطبي واستشاري أمراض وزراعة الكلى "د.عبد الله الخطيب": إنّ وزارة الصحة توفر الأدوية للمرضى الذين زرعوا الكلى مدى الحياة ومجانًا أيضًا، حيث لا يستطيع أي مواطن تحمل تكلفة هذه الأدوية بسبب سعرها المرتفع.

ويضيف أنّ كلَّ عملية زراعة كلى داخل أراضي الـ(1948) مثلاً تكلف (300) ألف شيقل، في حين نجريها في مجمع فلسطين الطبي للمرضى مجاناً، ويؤكد "د. الخطيب" أنّه يجري متابعة المرضى الذين زرعوا الكلى بشكل مستمر ودوري.

ويوضح أنّ الخلية التي تجري هذه العمليات تضم إلى جانب د. وليد مسعود، فريقه المكون من د. سلطان سعادة، د. محمد لطفي، إضافة إلى د. عبد الكريم الزيتاوي وفريقه د. مراد بركات، د. قيس حمايدة، د. رأفت جبر، كما تضم هذه الخلية المتناسقة د. محمد الشيخ، وأخصائيي التخدير د. ناصر الحنبلي ود. محمد العاجز إضافة إلى طاقم التمريض المميز.