النجاح الإخباري - في غزة، التي تشهد أبشع جرائم الإبادة في مقتلة تُعد الأسوأ في تاريخ فلسطين، تحولت الأرض إلى ساحة دمار شبه كاملة تحمل قصص آلاف المدنيين الذين فقدوا مأواهم وأحباءهم، وأطفالًا يعيشون مأساة التجويع والقتل. إنها مدينة تقف اليوم بين واقع الحرب المستمرة ومحاولات المجتمع الدولي لوقف الإجرام الصهيوني الهادف إلى تغيير معالم فلسطين وديموغرافيا المنطقة بأسرها.

وفي هذا المشهد المأساوي، يترقب العالم اجتماعًا أميركيًا يُعقد اليوم في البيت الأبيض، يهدف إلى رسم خطة شاملة لـ "اليوم التالي" بعد الحرب على غزة، لتحديد مصير الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين والقطاع بأسره.

في هذا التقرير التحليلي نقدّم قراءة معمقة حول "الاجتماع الكبير" والرعاية الأميركية لمسار الأحداث، استنادًا إلى ترجمات لما أوردته الصحافة العبرية وأبرز مقالاتها.

أولويات الإدارة الأميركية: صفقة كاملة لا جزئية

وفق تقرير صحيفة تايمز أوف إسرائيل وترجمة المراسل يعقوب ماغيد، يرأس الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا كبيرًا حول غزة، حيث يؤكد المبعوث الخاص للولايات المتحدة ستيف فيتكوف أن موقف الإدارة هو رفض أي صفقة جزئية لتبادل الأسرى، وهو الموقف ذاته الذي تتبناه إسرائيل، الرافضة للاقتراح الذي قدمته حركة حماس عبر الوسطاء العرب لإطلاق سراح الأسرى تدريجيًا.

وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، أوضح فيتكوف أن حماس عطّلت العملية عبر إضافة شروط جديدة في يوليو/تموز، ما أجبر الولايات المتحدة وإسرائيل على إعادة فرق التفاوض إلى نقطة الصفر. وشدد على ضرورة أن يعود جميع الأسرى إلى بيوتهم دفعة واحدة، بمجرد انتهاء الحرب.

احتلال وسيطرة كاملة

أشار تقرير تايمز أوف إسرائيل إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يمارس ضغوطًا متزايدة لتسريع عملية احتلال مدينة غزة، في محاولة يُنظر إليها كمسعى لإنهاء وجود حركة حماس في آخر معاقلها. وتقدّر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن السيطرة على المدينة وحدها قد تستغرق ما بين أربعة إلى خمسة أشهر، تتبعها عمليات عسكرية إضافية تستهدف مخيمات اللاجئين في وسط القطاع.

وتأتي هذه الخطط متزامنة مع تصريحات نتنياهو التي شدد فيها على تبني سياسة "الاحتواء والسيطرة الكاملة"، في وقت يحاول فيه المبعوث الأميركي التخفيف من حدة الموقف بالتأكيد على أن النهج الإسرائيلي ليس الأقصى، وأن واشنطن ما زالت تدفع باتجاه تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء إلى السكان المحاصرين.

مأساة المدنيين

في السياق ذاته، أشار المبعوث الأميركي إلى القصف الإسرائيلي على مستشفى ناصر في خان يونس، والذي أسفر عن استشهاد 20 مدنيًا، بينهم عاملون في القطاع الصحي والدفاع المدني وصحفيون. وقال فيتكوف: "كل موت لمدني هو مأساة، لكن الهدف يبقى إنهاء الحرب وإغلاق ملف احتجاز حماس للقطاع كرهينة."

كما وصف غزة بأنها "منطقة مدمرة تمامًا، مليئة بأكثر من 30 ألف قنبلة لم تنفجر – ساحة دمار حقيقية." هذه الأرقام والتحليلات تعكس حجم الكارثة المستمرة وتأثيرها المباشر على حياة المدنيين، بمن فيهم آلاف الأسرى الذين باتت حياتهم معلقة في دائرة الخطر الدائم.

حماس والفصائل بين الضغط والتفاوض

وأظهرت الصحافة العبرية أن حركة حماس أبدت قبولًا مبدئيًا بالمقترح الذي قدّمه الوسطاء العرب بشأن صفقة تدريجية لإطلاق سراح الأسرى، غير أن إسرائيل والولايات المتحدة لم تعدا معنيتين بهذا الخيار، إذ تضعان في مقدمة أولوياتهما إنهاء الحرب وضمان الإفراج الكامل عن الأسرى دفعة واحدة.

وفي حين ما زال الوسطاء العرب بانتظار رد رسمي من إسرائيل، من دون وجود بدائل أخرى مطروحة حتى الآن، تلمّح حماس إلى استعدادها لفتح نقاش حول "اليوم التالي" للحرب، بما يشمل إمكانية نقل السيطرة الإدارية إلى لجنة فلسطينية تكنوقراطية، لكنها في الوقت نفسه تتمسك بسلاحها وترفض التخلي عنه.

إقليميًا ودوليًا

على الصعيد الدولي، يبرز دور "الصندوق الإنساني" المدعوم من الولايات المتحدة، والذي لا يتلقى أي أموال مباشرة من إسرائيل رغم إعلان الأخيرة تخصيص 473 مليون دولار للتمويل.

أما الموقف العربي، فيتجسد في دعم إنهاء الحرب والتخفيف من حدة المأساة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، عبر تكثيف الضغوط ضمن مسارات الوساطة المختلفة، في محاولة لتفادي تفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية على حد سواء.

وبين إصرار إسرائيل على المضي في خططها لاحتلال غزة، ورفض الولايات المتحدة لأي صفقات جزئية، وضغط الوسطاء العرب لتخفيف المأساة الإنسانية، يبقى "اليوم التالي" لغزة ملفًا معقدًا ومفتوحًا على كل الاحتمالات. فالاجتماع الأميركي المرتقب ليس مجرد لقاء دبلوماسي، بل اختبار حقيقي لإرادة المجتمع الدولي في حماية المدنيين والأسرى، ولقدرة إسرائيل على فرض سياساتها تحت مجهر رقابة عالمية صارمة.

إن غزة اليوم ليست مجرد ساحة حرب، بل مرآة تكشف جوهر الصراع بين منطق القوة ومعنى العدالة، وبين إرادة البقاء وحق الشعوب في الحياة والحرية.