منال الزعبي - النجاح الإخباري - بين خيام النزوح ورمال المواصي، لا تُسمَع ضحكات الرُضَّع، بل أنين الجوع وبكاء الأمعاء الخاوية. في غزة، حيث الحليب مفقود والغذاء مقطوع، تلجأ الأمهات لوسائل خطيرة لإبقاء أطفالهن على قيد الحياة: زجاجات تُملأ بماء العدس، شاي اليانسون، وأحيانًا الطحينية المحلولة بالماء، رغم ما تحمله من أضرار صحية جسيمة على الأجساد الصغيرة التي بالكاد بدأت تنمو.

 الرضيعة "منتها" وجهٌ صغير لأزمة إنسانية كبرى، حيث تمضي الأمهات والجدات في سباقٍ مع الموت، وعيونهن ترقب الحليب كمَن ينتظر المعجزة، في ظل حصار خانق وغياب تام للمساعدات.
 

الجدة نعمة حمودة

في خيمة على شاطئ خان يونس، تجلس الجدة نِعمة حمودة تحتضن حفيدتها "منتها"، طفلة لم تُكمل شهرها الثالث، وقد ولدت يتيمة بعد استشهاد والدتها الحامل خلال القصف.

حمودة تقول:

"والله يا ابني بعطيها يانسون... البنت مش عم تاكل، وما في سكر. مرات بصفّي مي العدس من مطبخ خيري وأعطيها. شو أعمل؟ علبة الحليب بـ400 شيكل، من وين أجيب؟"

وتضيف بحرقة:

"أنا ربيت 8 أولاد. الدكتور كان يقلّي أول 6 شهور ممنوع حتى المي… بس شو أعمل؟ الطفلة يتيمة، وما إلها غيري."

"منتها" تزن 3.5 كغم فقط وتعاني من نوبات إسهال وقيء مستمرة، لكن حالتها باتت مألوفة في المستشفيات والملاجئ.

الأمهات أيضًا يحاولن النجاة بأطفالهن بالحد الأدنى، كما تقول أزهر عماد (31 عامًا)، والدة الطفلة "جوري":"أعطيها أعشاب: كراوية، حلبة، بس بتتعبها. الطحينية ما فادت. الوضع خطير."

أما أم محمد عوض (34 عامًا) فتقول:"ما بلاقي حليب، بدي أعطيه مي ومحاليل من الصبح. نطحن المعكرونة والعدس حتى نصنع وجبة، بس هذا خطر، وعلشان هيك إحنا بالمستشفى."

الدكتور خليل دقران - مستشفى شهداء الأقصى 

في مستشفى شهداء الأقصى، يقول الدكتور خليل دقران:

"آلاف الأطفال يُحرمون من الحليب. الأمهات يعانين من سوء تغذية، ولا ينتجن الحليب. إذا استمر الطفل بلا غذاء 3 إلى 4 أيام، قد يموت."

 الخبراء يحذرون من خطورة هذه البدائل على صحة الأطفال الرضع، إذ قد تسبب مشاكل هضمية، ونقصًا في العناصر الغذائية الضرورية لنموهم، وتعرضهم لخطر سوء التغذية الحاد الذي قد يهدد حياتهم.

الخطر بات معلنًا، حتى من المؤسسات الدولية
بحسب اليونيسف، تلجأ الأمهات في غزة إلى بدائل مثل "الحمص، الأرز، الخبز المطحون" كغذاء للرضع، وهو ما وصفه المتحدث سليم عويس بأنه "أمر بالغ الخطورة وغير مناسب للأطفال دون سن العام".

ووفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن

154 فلسطينيًا قضوا جوعًا في غزة حتى نهاية يوليو 2025، بينهم 89 طفلًا.

ورغم إعلان إسرائيل عن تسهيلات لإدخال المساعدات، تقول الأمم المتحدة إن "آليات التنسيق الميداني لا تزال معطّلة"، مما يعوق وصول الغذاء والدواء إلى من هم بأمسّ الحاجة.

في غزة، الحليب صار أمنية… والطفولة تُدفن ببطء.
"منتها" ليست حالة فردية، بل واحدة من آلاف الأطفال الذين يصارعون الموت كل يوم، لا بسبب القنابل وحدها، بل بسبب الجوع… والإهمال الدولي.