النجاح الإخباري - في مشهد سياسي يزداد تعقيدًا، يجد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه في مواجهة ضغوط متصاعدة من واشنطن، ومن داخل مؤسسته الأمنية، وسط سعي محموم للتوصل إلى هدنة مؤقتة في قطاع غزة، وتوقيع صفقة تبادل أسرى طال انتظارها. وبينما تظهر الولايات المتحدة عزمًا على إنهاء االحرب وضمان عدم تجددها، يصرّ نتنياهو على استمرار السيطرة الميدانية في غزة، وفرض مشروع "المدينة الإنسانية" في رفح، في خطوة وصفتها صحيفة هآرتس بأنها "غطاء ناعم لخطط التهجير القسري".
وفي قراءة معمقة لأبرز ما جاء في الصحافة العبرية حول المفاوضات الجارية بشأن ملف غزة وصفقة الاسرى ، تحليل للرهانات السياسية والمواقف المتضاربة داخل حكومة الاحتلال نوردها في هذا التقرير.
لقاءات استثنائية ورسائل متضاربة
خلال أقل من 24 ساعة، عقد نتنياهو لقاءين منفصلين مع الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب في واشنطن. ووفقًا لما أوردته صحيفة "يديعوت أحرنوت"العبرية فقد مارس ترامب ضغوطًا مباشرة لدفع نتنياهو نحو التوقيع على اتفاق هدنة لمدة 60 يومًا، مقابل إطلاق عدد من الأسرى الإسرائيليين. ورغم التوافق المبدئي على البنود الأساسية، رفض نتنياهو الانسحاب من محور "فيلادلفيا 2"، متمسكًا بخطة إقامة منطقة أمنية وتحويل رفح إلى ما يُعرف بـ"المدينة الإنسانية".
في المقابل، كشف تقرير لـهآرتس أن المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف أكد تقدمًا كبيرًا في مفاوضات وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن الخلافات تقلّصت إلى نقطة واحدة تتعلق بآلية إيصال المساعدات الإنسانية، في حين تصرّ إسرائيل على استمرار وجودها العسكري لضمان "منع عودة حماس"، حسب تصريح نتنياهو خلال لقائه بترامب.
صفقة الأسرى... بين الواقع والمناورة
الصفقة المطروحة تشمل إطلاق 10 أسرى إسرائيليين أحياء في مقابل إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين، من بينهم شخصيات بارزة بحسب صحيفة معاريف، لكن التقديرات الإسرائيلية تشكك في نوايا حركة حماس، خاصة في ظل تقارير تفيد بتمسكها بانسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع كشرط أساسي لإتمام الصفقة.
بينما تقرير" يسرائيل هيوم" نقل عن مصادر سياسية إسرائيلية تأكيدها اقتراب توقيع الاتفاق بحلول نهاية الأسبوع، وذكر أن نتنياهو يسعى لربط الصفقة بإعادة فرض السيطرة العسكرية على قطاع غزة ولو بشكل مؤقت، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة علنًا. وبرز في الخلفية مطلب نتنياهو المتكرر بإحياء مشروع "الهجرة الطوعية" لأهالي غزة، وفق ما ورد في صحيفة هآرتس
رفح... من "ملاذ إنساني" إلى ترانسفير مقنّع
افتتاحية هآرتس وصفت خطة "المدينة الإنسانية" بأنها ليست سوى إعادة صياغة لمخيمات ترحيل جماعي، محذّرة من تحول رفح إلى مركز لجريمة حرب محتملة. وجاء في المقال أن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زمير أبدى اعتراضًا داخليًا على الخطة، لكنه واجه حملة تسريبات تستهدف سمعته، ما يشي بحالة من الانقسام داخل المؤسسة العسكرية.
أما على الصعيد الدولي، فقد أكدت تقارير "يديعوت أحرنوت" و"هآرتس" أن العائلات الإسرائيلية تضغط بقوة على ترامب ونتنياهو على حد سواء لإبرام صفقة تبادل، وسط تزايد التذمر من تعثر المفاوضات وتكرار تصريحات التهديد دون خطوات ملموسة.
مؤشرات على تقدم المفاوضات
وفي آخر المستجدات خلال الساعات القليلة الماضية المتعلقة بالمفاوضات الجارية في الدوحة بهدف التوصل إلى صيغة توافقية تُنهي الحرب على قطاع غزة، أعلنت حركة "حماس" مساء اليوم الأربعاء، موافقتها على إطلاق سراح عشرة أسرى إسرائيليين محتجزين لديها، دعمًا لجهود الوسطاء الرامية إلى إنهاء العدوان وتخفيف الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر.
وأوضحت الحركة أن قيادتها تواصل جهوداً "مكثفة ومسؤولة" للتوصل إلى اتفاق شامل، يضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية بشكل حر وآمن، للتخفيف من المعاناة المتفاقمة منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ولفتت إلى أن التفاوض لا يزال مستمرًا حول "النقاط الجوهرية"، وعلى رأسها تدفق المساعدات دون قيود، وانسحاب قوات الاحتلال من كامل قطاع غزة، إلى جانب ضمانات دولية موثوقة لوقف الحرب.
في المقابل، أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ركّز على جهود تحرير الرهائن المحتجزين في غزة، مؤكداً عزمه على "القضاء" على القدرات العسكرية والإدارية لحركة "حماس".
بدوره، قال ترمب إن هناك "فرصة جيدة جداً" للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة خلال الأسبوع الجاري أو الأسبوع المقبل.
وتراهن "حماس" على ضغوط واشنطن على نتنياهو لدفعه إلى إبرام اتفاق، تشترط الحركة أن يتضمن وقفًا شاملًا للحرب.
وجددت الحركة على لسان القيادي طاهر النونو تمسكها بموقفها إزاء المتطلبات الأساسية لأي اتفاق، وفي مقدمتها الانسحاب الكامل من القطاع ووقف العدوان بشكل شامل.
تحولات إقليمية.. التطبيع مع سوريا
بعيدًا عن ملف غزة، كشفت صحيفة معاريف عن مبادرة دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة والإمارات لعقد لقاء تاريخي بين نتنياهو والرئيس السوري المعيّن أحمد الشرع في البيت الأبيض، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. ووصفت مصادر دبلوماسية هذه الخطوة بأنها بداية مسار تطبيع علني بين دمشق وتل أبيب، رغم العقبة الأساسية المتمثلة في ملف الجولان.
وفي السياق نفسه، أشار تقرير لـ"يسرائيل هيوم" إلى تعاون أمني متزايد بين إسرائيل والنظام السوري لمواجهة النفوذ الإيراني جنوب سوريا، بما يشمل تبادل معلومات استخبارية وعمليات ميدانية مشتركة.
مأزق داخلي... من الحريديم إلى المحكمة العليا
على الساحة الداخلية، يواجه نتنياهو تصدّعًا داخل ائتلافه الحاكم، مع تهديد الأحزاب الحريدية بالانسحاب بسبب تأخر إقرار قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، حسبما أوردت صحيفة "يتد نئمان" بينما تقدمت مجموعة "حرس الديمقراطية" بالتماس إلى المحكمة العليا تطالب فيه بإعلان نتنياهو "متعذّرًا" عن مواصلة مهامه بسبب ما اعتبروه استغلالًا للسلطة وتعطيلًا للديمقراطية.
معضلة غزة وحسابات الانتخابات
في ظل هذه التعقيدات، يبدو أن نتنياهو يحاول كسب الوقت بين مطرقة الضغوط الأميركية وسندان الشركاء المتطرفين في ائتلافه. مشروع رفح، وصفقة الأسرى، والتطبيع مع سوريا، وملاحقة النفوذ الإيراني... كلها أوراق متداخلة في ملف لا يحتمل التأجيل.
بينما يرى البعض في المشهد الحالي فرصة لـ"سلام أوسع" تقوده واشنطن، تكشف الخطوات الإسرائيلية المتزامنة عن نهج يرمي إلى ترسيخ السيطرة الميدانية وتفريغ القطاع من سكانه.